أخطر مشكلات أميركا الاقتصادية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أبلغ الرئيس الأميركي باراك أوباما مجلس النواب الأميركي قبل فترة، بحسب ما قاله الذين شهدوا الجلسة: "ليست العجوزات أكبر مشكلاتنا عبر السنوات العشر المقبلة".

والرئيس الأميركي بحاجة إلى إبلاغ الرأي العام بهذه الرسالة نفسها علانية وبصوت عال، فأكبر المشكلات التي تواجهها أميركا هي البطالة والأجور الراكدة والنمو البطيء والظلم المتفاقم، وليس العجوزات. والهدف الكبير ينبغي أن يكون إعادة الوظائف والأجور، وليس تحقيق توازن الميزانية.

أعدت خطة الجمهوري بول رايان للميزانية، لاجتذاب البيت الأبيض والديمقراطيين والرأي العام الأميركي إلى سجال يدور حول كيفية تحقيق توازن الميزانية الفيدرالية في عشر سنوات، وليس حول ما إذا كانت جديرة بإنجازها.

وأوضح رايان، عندما كشف النقاب عن هذه الخطة مؤخرا، الأمر بقوله: "هذه دعوة؛ أوضحوا لنا كيفية تحقيق توازن الميزانية، وإذا لم تكونوا متقبلين للطريقة التي اقترحناها في تحقيق توازن ميزانيتنا، فكيف تقترحون تحقيق ذلك؟".

بدا الرئيس الأميركي حتى الآن راغبا تماما في الانخراط في ذلك النقاش، وحديثه الجاري حاليا حول "صفقة كبرى" لتقليص عجز الميزانية، قد يصب في صالح ما يقوله الجمهوريون، تماما كما فعل استخدامه المتكرر للقياس الجمهوري في المقارنة بين الأمور المالية الحكومية ونظيرتها العائلية. وقد قال عن ميزانية 2013: "كما أن العائلات والشركات لا بد لها من شد الأحزمة لكي تعيش في حدود ما هو متوفر لها، فكذلك ينبغي أن تفعل الحكومة الاتحادية". ومن المأمول أنه ينقل السجال الآن إلى مجال آخر.

إن الشؤون المالية الحكومية، لا تشبه على الإطلاق نظيرتها العائلية. وفي حقيقة الأمر، فإنه عندما لا تستطيع العائلات الأميركية أن تنفق ما فيه الكفاية لاستمرار دولاب الاقتصاد، لأن الكثير منها يعاني من البطالة، أو من العمل بعض الوقت، ولم يعد لديها نقود، فإن الحكومة يتعين عليها أن تتدخل باعتبارها المنفق النهائي، حتى ولو كان ذلك يعني الوقوع تحت طائلة مزيد من الدين.

إذا لم تقم الحكومة بردم هوة الإنفاق، فإن الاقتصاد يمكن أن يتهاوى إلى ركود أعمق، ويدقع بالبطالة إلى مستوى أعلى كثيرا.. ودعنا نتأمل ما فعله الاقتصاد التقشف بأوروبا.

وبالإضافة إلى ذلك، فإنه لا بأس على الإطلاق من قيام الحكومة بالاقتراض ومواصلة الاقتراض، لكي تستثمر في شق طرق جديدة أو غير ذلك من عناصر البنية الأساسية أو التعليم أو البحث الأساسي، عندما تؤتي هذه الاستثمارات ثمارها في صورة معدلات أعلى من النمو الاقتصادي.

إن المفهوم القائل إن الإنفاق الحكومي "يستبعد" الاستثمار الخاص، ويجعل معدلات الفائدة أعلى منها في حالة غيابه، هو مفهوم لا معنى له في الاقتصاد العالمي، حيث ينتقل رأس المال عبر الحدود الوطنية، ساعيا وراء أعلى معدلات يمكنه الحصول عليها من أي مكان.

والمجتمعات التي تستثمر في إنتاجية شعوبها، تجتذب رأس المال العالمي وتوجد وظائف عالية الأجور. ولما كانت غالبية الشركات الكبرى لم تعد تعتمد على إنتاجية دولة واحدة بعينها، فإن المسؤولية عن القيام بمثل هذه الاستثمارات تقع بصورة متزايدة على عاتق الحكومة.

ليس معنى ذلك أننا ينبغي أن نتجاهل الدين كلية، وإنما معناه أن أفضل طريقة للتعامل معه هي القيام بذلك بصورة تدريجية، من خلال النمو الاقتصادي. وتلك هي الكيفية التي قلصنا بها الدين العملاق الذي راكمه فرانكلين روزفلت على كاهل أميركا، وهي الكيفية التي قامت بها إدارة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون (التي أعتز بأنني كنت عضوا فيها) بتحقيق توازن الميزانية في عام 1996.

يريد الجمهوريون من الأميركيين أن يعتقدوا أن الميزانيات الحكومية تشبه الميزانيات العائلية التي لا بد من تحقيق توازنها، لأن هذا القياس يساعد هدفهم الأيديولوجي المتمثل في "أغرقوا الحكومة في المغطس"، بحسب التعبير الذي استخدمه معلمهم البارز غروفر نوركويست.

طالما أن هناك دينا، وأن تحقيق التوازن هو الهدف، فإن الانكماش هو الخيار الوحيد إذا استبعدت زيادات الضرائب.

يريد الرئيس الأميركي أخيرا تغيير السجال والتركيز على المشكلة الاقتصادية الحقيقية، وفي مقابلة أجراها معه جورج ستيفانوبولس حظيت باهتمام أقل مما تستحقه، قال: "ليس هدفي مطاردة تحقيق توازن الميزانية من أجل التوازن فحسب، وإنما هدفي هو كيف نجعل الاقتصاد ينمو، ونعيد الناس ثانية إلى العمل. وإذا حققنا ذلك، فإننا سنجلب المزيد من العائد".

فلندع، إذن، السباق الحقيقي إلى المستقبل في أميركا ينطلق..

Email