30 يونيو والحاكم بأمر المرشد

ت + ت - الحجم الطبيعي

في صرامة لا تخلو من ضيق صدر وتأفف، قال لي زميل صحفي عضو في جماعة الإخوان: ما يحدث في مصر جريمة، المعارضة تدمر الوطن وجبهة الإنقاذ لا يهمها إلا مصالحها.. العنف في كل مكان، حرق مقرات الجماعة وقتل واعتداءات وإصابات بالجملة! لم أرد عليه، فمثل هذه الآراء أقرب إلى دخان في الهواء، مجرد تنفيس وثرثرة على مقهى بلدي، لا تستند إلى "معرفة" أو فهم.

 لكنه لم يسكت، وسألني: هل يعقل أن يخرج البعض إلى الشارع ليسقطوا رئيساً شرعيا لم يمض على توليه السلطة سوى عام واحد؟! هل يمكن لرئيس مها كانت إمكاناته أن يحل في سنة واحدة مشكلات ثلاثين سنة من الفساد والتخريب وإهدار الموارد؟!

استفزني السؤال، فأجبته: قطعا لا يستطيع.. ولم يطلب أحد من الرئيس محمد مرسي أن يحل تلك الأزمات في سنة واحدة، وغضب المصريين منه سببه سوء الأداء وضعف الإدارة وانحيازه لجماعته على حساب مصالح مصر والمصريين، لم يصنع شيئا واحدا ذا قيمة، ولم يظهر ما ينبئ بأن بلاده تمضي على الطريق الصحيح، فيتحمل مواطنوه الصعاب التي تواجههم، على أمل أن الحل مسألة وقت!

وقبل أن يكمل ثرثرته قلت له: من فضلك لا تقل لي إنه حافظ لكتاب الله وإنه أول رئيس مصري ملتحٍ، وإنه يصلي الفرض بفرضه.. كما سجلها البعض في كتاب إنجازات الرئيس الذي أصدرته الجماعة قبل شهر تقريبا!

فسألني: هل تكرهون الإسلام إلى هذه الدرجة؟! سألته بدوري: ما علاقة الفشل بالإسلام؟! أستطيع أن أروي لك حكايات قتلة وسفاحين في الدولتين الأموية والعباسية، كانوا يواظبون على الصلاة ويحفظون كتاب الله، وإذا راجعنا تاريخ السلاطين العثمانيين الذين كانوا يحكمون باسم الخلافة الإسلامية، فقد يفزعنا حجم المظالم والقهر الذي مارسوه.. حرام عليكم أن تنسبوا للإسلام تصرفات المسلمين، فالإسلام حجة على المؤمنين به، وهم ليسوا حجة عليه حتى لو كانوا أتقى الأتقياء أو أشر خلق الله! سأل غاضبا: ولماذا تصفون الرئيس بالفشل؟! قلت: المسألة واضحة وضوح الشمس، صعوبات في المعيشة تفوق الوصف، من أول تراكم القمامة إلى طوابير البنزين، ارتفاع جنوني في أسعار كل السلع، مصانع أغلقت، استثمارات متوقفة، مشروع نهضة وهمي لا وجود له إلا في مخيلة أعضاء الجماعة ومنشوراتها الدعائية، ثم وباء أخونة ينتشر في كل مفاصل الدولة كالنار في الهشيم.. علاقات عربية متوترة مع الدول الأقرب إلينا، والأخطر هو تقسيم المجتمع تقسيما دينيا بين مؤيدين إسلاميين ومعارضين كافرين..

قال: حتى لو كان كلامك فيه شيء من الصحة.. فلماذا لا تنتظر المعارضة انتخابات مجلس النواب القادم وتكسبها بما تزعم أن معها 20 مليون استمارة تمرد ضد الرئيس، وتشكل هي الحكومة المقبلة، وبحصولها على الأغلبية تستطيع أن تنفذ سياستها وبرامجها وتصدر مشروعات القوانين كما تراها، وقد تسحب الثقة من الرئيس نفسه.. وهذه إجراءات دستورية، بدلا من الالتفاف على الشرعية وإفشال التجربة الديمقراطية الوليدة بتظاهرات في الشارع وعنف ودماء؟

قلت: لو فرضنا حسن النية.. فهذا كلام لا أساس له من الصحة، لا في العلوم السياسية ولا على أرض الواقع، فكرة البرلمان في مواجهة الرئيس، فكرة لا تعمل إلا في ديمقراطيات عريقة، لها تقاليد راسخة ومؤسسات قوية ومجتمع متماسك، ليس فيه هذا القدر من الاستقطاب والانقسام الحاد، وما لم تفهمه الجماعة ولا الرئيس مرسي هو أن الذين نزلوا في 30 يونيو ليسوا من أحزاب معارضة ولا من جبهة الإنقاذ، هم مواطنون عاديون لا تعنيهم الانتخابات البرلمانية ولا الإجراءات الدستورية، شعب غاضب على رئيس يهدد أمن وطنهم القومي، وسلامة بنيانهم الاجتماعي، ومستوى معيشتهم وحياتهم اليومية.. فكرة الإجراءات الدستورية التقليدية يمكن أن تصلح مع معارضة سياسية، لكنها لا تساوي مقدار خردلة أمام غضب شعبي عارم..

والأخطر أنكم تكذبون حين تقولون إن حركة تمرد تسعى إلى إسقاط الشرعية بإسقاط الرئيس، هذا غير صحيح، فهي تدعو إلى إجراء ديمقراطي استثنائي ومعمول به في كل الديمقراطيات، وهو العودة إلى صندوق الانتخابات لحسم خلافات حادة واضطرابات عجزت عن حلها المفاوضات بين الأطراف الحاكمة والمعارضة، وقد عرفت فرنسا وإيطاليا وإسرائيل انتخابات مبكرة، دون أن تقول السلطة التنفيذية إن هذا خروج على الشرعية، وأي انتخابات رئاسية لن تمنع الدكتور محمد مرسي من الترشح لمنصب الرئيس مجددا، فإذا كسبها فهو يُثبت شرعيته وينزع أي صفة شعبية عن معارضيه وينتهى الأمر.. لكن الرئيس لم يفهم المشهد على حقيقته، وجماعته لم تحاول أن تتواضع قليلا وتدرك أن معركتها الآن ليست مع نظام أو حكومة أو عسكر أو معارضة، وإنما مع قطاعات عريضة وكبيرة من الشعب المصري، وهذا أول رفض شعبي واسع للجماعة منذ عادت إلى مسرح الحياة المصرية عام 1975، بعد المصالحة التي أجراها معها الرئيس أنور السادات.

المصريون ثائرون على الرئيس محمد مرسي باعتباره "الحاكم بأمر المرشد"!

ولم يفهم زميلي الإخواني ما قلت..

Email