صوملة وأفغنة وبلقنة المنطقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الأوضاع في سوريا تتجه نحو مزيد من التأزم. التأزم ناجم عن تقاعس المجتمع الدولي في فرض حلول سياسية للقضية السورية. تُركت الأمور للجماعات والفئات والأحزاب والمليشيات المسلحة لحسم الموقف، لصالح كل منها بالدرجة الأولى.

وضعُ الرئيس السوري يشبه وضع الرئيس الشيوعي الأفغاني، بابراك كارمال، عقب الاحتلال السوفيتي لأفغانستان عام 1978. عقب إسقاطه تسلمت الجماعات الجهادية الأفغانية سدة الحكم، ثم بدأت الخلافات تعصف بالحكم المركزي والدولة. عانى الشعب الأفغاني تبعات الحروب الأهلية لسنين.

هنالك تشابه مع وضع الرئيس اليوغسلافي سلوبودان ميلوسيفيتش، عشية وإبان الحرب الأهلية اليوغسلافية. دخلت التجاذبات المحلية والإقليمية والدولية لتتصارع فيما بينها على التركة اليوغسلافية. تم تقسيم يوغسلافيا حسب عرقيات وإثنيات دينية ومذهبية. ثمة أوجه شبه كبيرة مع نظام حكم "سياد بري" في الصومال، قبل الإطاحة به في أواخر القرن الماضي.

تخلص الصوماليون من رئيسهم دون وجود بديل مناسب، في الوقت المناسب، لهم يحل محله. هنالك أمثلة أخرى من دول الربيع العربي يمكن تشبيه ما حدث ويحدث فيها بالوضع السوري، الآن وفيما بعد.

إذا ما صبرنا قليلاً قد يصبح تعبير "تعريب" أو "عربنة" الصراع، أكثر عموميةً وشموليةً ودقةً، محلياً وإقليمياً ودولياً. الدروس المستفادة من التجربة الأفغانية، وغير الأفغانية، توحي بشبه استحالة قدرة الأحزاب المتطرفة على إدارة نظام سياسي حديث مستقر.

تتنافس الفئات السورية المختلفة من المجاهدين لتبوؤ مكان الصدارة، الآن وبعد السقوط المرتقب للنظام السوري. تتخذ من وسائل الإعلام المنتشرة لنشر بضاعتها وغسيلها، وما تضمره تجاه أقرانها في الحرب وأعدائها. الوضع غير مشجع أو مثير للتفاؤل.

إن لم تتوقف، أو توقف، هذه الأحزاب والفئات عند حدها، فسوف يأتي يوم تصعب فيه السيطرة عليها. تبعاً لذلك ستظل سوريا تعاني من تبعات سقوط النظام، والإحلال محله بجماعات لا تلتزم بحقوق بعضها ولا تحترم فكر الآخرين. باتت القضية السورية مفتوحةً على كافة الاحتمالات؛ في أغلبها بائسة وغير مطمئنة. القضية السورية ستلتحق بطابور يضم عدة قضايا عربية وإسلامية ودولية.

المؤتمرات المحلية والإقليمية والدولية لمعالجة الأزمة السورية كثيرة، لكنها منزوعة الخير. أيُّ منها لم يفلح في تقريب وجهات النظر. هنالك نقص واضح في الجدية الكافية لحل الأزمة لدى كافة الأطراف، المتصارعة والمساعدة المساندة لها.

قيادات الداخل في صراع وخصومة حادة مع نظيراتها في الخارج. يبدو أن هنالك مخططاً خفياً نحو السيطرة على سوريا أرضاً وشعباً، لصالح فئات محلية وإقليمية ودولية. يجري ذلك حسب منهجية مرتبطة بدوائر صناعة القرار العالمي.

إدخال أسلحة إلى سوريا قد يسارع في إسقاط النظام، لكنه لا يساهم في إيجاد حل جذري للمشكلة. سيضيف زيتاً وناراً على زيت ونار. مئات آلاف السوريين تضرروا من الحرب، بشكل أو بآخر. السيطرة والتحكم في هؤلاء بعد انتهاء الحرب، ليس من السهولة الحقيقية بمكان.

ما جرى في الصومال وأفغانستان والبلقان والعراق، ودول الربيع العربي، ينذر بالتنبؤ بمزيد من التشاؤم بشأن القضية السورية. حقيقةً، المنزلق السوري ينذر بحصول فراغ أمني وسياسي وإداري مهم في المنطقة.

المستنقع السوري قد تشكل ويجذب إليه أطرافاً إقليميةً ودوليةً مهمةً. سوف يُملأ ذلك الفراغ، أو المستنقع، بجملة من القوى والأنظمة والعقائد والأيديولوجيات المختلفة والمتناقضة. الوضع الاقتصادي السوري شديد البؤس ويساهم في تفاقم الأزمة.

 السوريون يستنجدون تدخلاً يأتيهم ببعض العون المادي، أياً كان مصدره. كان الأجدر بالأنظمة المحلية والإقليمية الدولية التعاون الحريص لتقليل الخسائر، وحصر الخلافات. لكن كلاًّ منهم ركب العزة بالإثم؛ لم يعر اهتماماً لسقوط الضحايا والخسائر المادية والمعنوية والبشرية.

باتت فرص النجاح في تحقيق حل سياسي، من الضآلة بمكان.

على القيادات السورية الميدانية في الداخل، والسياسية في الخارج، الأخذ بعين الاعتبار حساسية الأوضاع الحالية والمستقبلية. المنطقة بأكملها تعج بجملة من القضايا الوطنية الشائكة، خاصةً بعد مرور الربيع العربي عليها.

عليها أن تفكر ملياً وجدياً وطويلاً في مصلحة سوريا، الشعب والوطن والمستقبل؛ قبل فوات الأوان نهائياً على كل هذا وذاك.

Email