ممَّ نخشى على مصر؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا أحد يخشى على مصر من حكم الإخوان المسلمين. فقد انتخبهم المصريون طواعية وهم يتحملون تبعات هذا الاختيار حتى انتهاء المدة. ولأن تيار الإخوان ما زال في العام الأول من تجربته الديمقراطية، ولا يملك خبرة في إدارة بلد يضم تسعين مليون نسمة، فإنه في النهاية، إما أن يتعلم من أخطائه ويصحح من سياساته أو أن يفشل فيخلي المكان لغيره. ولكن مصر ستبقى مصر.

ولا أحد يخشى على مصر من انتقادات المعارضة التي ترفض بشكل واضح تردي أوضاع البلد والتي قد تؤدي بها إلى مزيد من الفوضى. لأن المعارضة في نهاية الأمر تقاتل لما هو أفضل وما هو خير لمستقبل الشعب المصري، ولا أتخيل أن يوجد مصري واحد يتمنى شرا لبلده إلا أن يكون خائنا. فالمعارضة لا تشكل خطرا على مصر بقدر ما يمكن أن تساهم في البناء، كما أن المعارضة تعتبر ظاهرة صحية في البلدان الديمقراطية.

كما أننا لا نخشى على مصر من الفقر، ولا من خسارة السياحة، ولا من انهيار اقتصادها لأنه في نهاية المطاف سيعود المصريون إلى رشدهم فيما لو خسروا كل شيء ورفض المجتمع الدولي دعمهم. المصريون لن يتخاذلوا أمام واقعهم الاقتصادي المرير، فمصر تملك من مقومات النماء والتقدم ما لا تملكه حتى دول النفط. وبما أن الجوع هو الدافع الأول لزيادة العمل، فلن يموت المصريون جوعا.

ولن تنهار مصر من الفقر. صحيح أن مصر تعتمد بشكل كبير جدا على إيرادات قطاع السياحة، وأنه لن يوجد سائح خليجي ولا أجنبي قد يخاطر بنفسه وبعائلته وبأمواله ويضع قدميه على أرض مصر في ظل الظروف السائدة الحالية، مع ذلك فإن المصريين قادرون على أن يستبدلوا دولارات السائحين بدولارات زراعة أرضهم الخصبة.

كل هذه المسائل يعرفها المصريون منذ زمن طويل وتأقلموا معها وتغلبوا عليها أحيانا وظلت مصر بلدا تلتقي فيه مختلف العقائد على مر الأزمان. غير أن ما لم يتعود عليه المصريون هو تلك الظاهرة الدخيلة التي صدرت إليها من مكان ما، وهي ظاهرة النزاعات الطائفية.

وقبل عقود، رفض المصريون ما كان يجري من نزاع وصل إلى حد الثأر بين المسلمين والمسيحيين الذين عاشوا على مدى آلاف السنين يداً بيد غلبت محبة مصر على انتماءاتهم الدينية. واليوم وجد المصريون أنفسهم متورطين في أعنف وأخطر نزاع طائفي عرفته مصر في تاريخها: صراع الشيعة والسنة. وتعدى القتل بين المسلمين والمسيحيين إلى التمثيل بجثث المسلمين وسحلها في الشوارع على مرأى من أعين رجال الأمن والأطفال والفضائيات العالمية التي تملكها رؤوس أموال صهيونية لتقول للعالم: هذا هو ربيع العرب.

بالطبع هناك خلاف بين المذاهب الإسلامية منذ أمد طويل، وهذا الاختلاف عقلي وفكري وثقافي، وكان لا بد أن يظل في هذا الإطار، بل بالعكس تماما فالاختلاف في الفكر يثري العقيدة من خلال البحث عن الحقيقة. في مصر الثقافة تحول الحوار الفكري إلى قرار بإلغاء وجود الآخر تماما والتمثيل به بعد التخلص منه.

والمأساة الكبرى في الخلافات الطائفية هو أن إطفاءها يكاد يصبح أمرا مستحيلا إذا ما اشتعلت، فما إن اندلعت فلن تتوقف حتى تأتي على الأخضر واليابس. والمأساة الأكبر هو أن هناك رجال دين أقرب للجهل منهم إلى العلم ادعوا الدفاع عن الصحابة رضي الله عنهم على طريقتهم، مستغلين نفوذهم وسذاجة البعض للصيد في الماء العكر فأضافوا إلى النار زيت الطائفية.

هنا فقط نخشى على مصر أن تتحول إلى لبنان أخرى وإلى سوريا أخرى وإلى عراق أخرى وإلى باكستان وأفغانستان أخرى، أرض لحرب طوائف تنتمي إلى دين واحد وتؤمن برب واحد ونبي واحد وقرآن واحد وتصلي في المسجد الحرام جنبا إلى جنب. هنا فقط نخشى على مصر من الأفول وسقوطها في المجهول.

 

Email