الصين والتبدلات المتسارعة في سوريا

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان ملف الأزمة السورية من أبرز بنود قمة الدول الثماني الكبرى، التي عقدت في إيرلندا الشمالية يومي 17 و18\6\2013. وعقدت على هامش القمة لقاءات عدة لبحث هذا الملف السوري، أبرزها اللقاء الذي جمع الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين والأميركي باراك أوباما.

كان الرأي العام العالمي يترقب توافق الرئيسين على تسوية سياسية للأزمة السورية، بعد أن تجاوز عدد ضحاياها 93 ألفاً، ومئات آلاف الجرحى، وملايين المشردين داخل سوريا وخارجها.

لكن هزيمة المعارضة السورية القاسية في مدينة القصير وجوارها، وتصاعد حدة المعارك بين قوى النظام والمعارضة على امتداد الأراضي السورية، أرخت بظلالها على اللقاء وما أعقب القمة من تصريحات نارية من الجانبين.

في المقابل، بقيت الصين على موقفها المبدئي، الرامي إلى حل الأزمة عن طريق المفاوضات في مؤتمر جنيف الثاني، حيث تؤمن بضرورة الحل السياسي دون سواه للأزمة، وطالبت مراراً الأطراف المتحاربة والدول الكبرى التي تمدها بالسلاح والمال، بأن تتحلى بالمسؤولية الأخلاقية والإنسانية تجاه الشعب السوري، وأن تبذل جهوداً إضافية لتسوية الخلافات وإزالة العقبات.

وبرزت تساؤلات كثيرة حول موقف الصين تجاه الأزمة السورية، في مرحلة بالغة الخطورة تحدد مصير منطقة الشرق الأوسط بأكملها.

ومع تباعد وجهات النظر بين الروس والأميركيين لحل الأزمة السورية في القمة، وواجه الحل السياسي الذي تبنته القمة عقبات كبيرة في التنفيذ بعد التهديدات المتبادلة.

فتوافق الجانبين على الحد الأدنى أدخل الأزمة السورية في نفق مظلم، حيث تضمن البيان المعلن إعطاء الأولوية لعقد مؤتمر جنيف الثاني في أقرب وقت ممكن، لكن التحرك العملي اتجه نحو التصعيد العسكري الذي يعيق الحل السياسي بصورة دائمة.

وتوقع خبراء صينيون أن تشتد المواجهات العسكرية في سوريا، بسبب مقررات قمة الثمانية التي تميزت بكثير من الغموض والضبابية.

مع تأكيد الإدارة الأميركية على أن النظام السوري استخدم أسلحة كيميائية ضد شعبه، رغم عدم وجود أدلة قاطعة في هذا المجال، استذكر المحللون الصينيون كيف أن الرئيس الأميركي السابق قدم أدلة كاذبة ليتهم النظام العراقي بامتلاك أسلحة دمار شامل، واستخدمها ذريعة لاحتلال العراق.

 بدوره، أرفق الرئيس أوباما اتهامه لسوريا باستخدام السلاح الكيميائي، بالإعلان عن رغبته في تقديم أسلحة نوعية للمعارضة السورية، وانبرى الرئيس المصري لإعلان قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، بينما أعربت دول الغرب عن مرونة واضحة تجاه الرئيس الإيراني الجديد، حسن روحاني، واستعدادها لفتح صفحة جديدة مع إيران في محاولة لحل أزمة ملفها النووي.

وقد فسر أكثر من خبير صيني الإعلان الأميركي والموقف المصري، انطلاقاً من تبدل الأوضاع الميدانية في سوريا، والعمل على احتواء النتائج السلبية التي خلفتها معركة القصير على المعارضة السورية.

لقد عززت معركة القصير مواقع النظام السوري، وحلفائه في لبنان وإيران وروسيا، وتحركت قواته لضرب المعارضة على امتداد الأراضي السورية، ما دفع الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى والعربية، إلى عقد مؤتمر الدوحة في 22\6\2013 لدعم المعارضة السورية بالمال والسلاح.

وأكد خبراء صينيون أن هذا التحرك جاء متأخراً إلى حد بعيد، وفي حال تعززت مواقع الجيش السوري على الأرض، ستصبح قدرة الدول الغربية والعربية ضعيفة جداً من حيث تأثيرها السياسي والعسكري في النظام السوري.

كما أن التظاهرات المناهضة لحكومة رئيس الوزراء رجب أردوغان في تركيا أضعفت دورها الإقليمي، ولم تعد قادرة على المشاركة الفعلية في إسقاط الرئيس السوري، الذي شكل حلماً راود الزعيم التركي طوال فترة الأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من عامين.

على جانب آخر، نقل خبراء صينيون آراء بعض زعماء المعارضة السورية حول مقررات قمة مجموعة الدول الثماني، فأكدت جميعها على خيبة أمل المعارضة من قمة دولية لم تقدم أي حل عملي للأزمة، حيث جاء بيان القمة ضبابياً إلى أبعد الحدود، ولم يلحظ أي تقارب جدي بين روسيا والولايات المتحدة لتبني الوقف الفوري للعنف الدائر في سوريا.

واكتفى قادة المجموعة بالتأييد اللفظي لمؤتمر جنيف الثاني، والدعوة إلى جمع مساعدات إنسانية للشعب السوري، وإدانة استخدام الأسلحة الكيميائية وجميع انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.

ولم يتضمن البيان خارطة طريق نحو الحل السياسي للأزمة، بل على العكس من ذلك، تداعت القوى المساندة للمعارضة إلى عقد مؤتمر الدوحة، للبحث في تقديم أسلحة أوروبية وأميركية متطورة إلى المعارضة، ما يطيل أمد الحرب والدمار في سوريا.

وبدا واضحاً أن تسليح المعارضة السورية بأسلحة نوعية يقطع الطريق على أي حل سياسي، كما أن قطع مصر لعلاقاتها الدبلوماسية مع سوريا يشكل دعوة صريحة لعزل نظامها عربياً ودولياً، دون أن يغير في مسار المعارك العسكرية الدائرة حالياً على أراضيها.

ترى الصين أن الولايات المتحدة، في حال قررت تقديم أسلحة نوعية إلى المعارضة السورية، أو فرض منطقة حظر جوي فوق سوريا وفق تدبير يتعارض مع القانون الدولي، ستكون قد أعلنت عن بداية تدخلها العسكري في الحرب على سوريا.

فتزويد المعارضة بالسلاح النوعي، يفضي إلى اتساع رقعة المعارك ووقوع خسائر سورية كبيرة في الأرواح والممتلكات، وسيكون أولى ضحاياها مؤتمر جنيف الثاني للسلام، وتنعدم معه فرص الحل السياسي للأزمة السورية.

ختاماً، ما زال الحل السياسي الذي يضمن قيام دولة ديمقراطية وموحدة بمشاركة جميع القوى السورية، حلماً بعيد المنال.

لكن الصين تؤيد بقوة عقد مؤتمر جنيف الثاني للسلام في سوريا بأسرع ما يمكن، وتشكيل حكومة انتقالية تتمتع بسلطات تنفيذية كاملة، على أن تضم ممثلين عن أبرز القوى الفاعلة في سوريا.

وتطالب الدول الكبرى بالضغط على أطراف الصراع لحملها على المشاركة في المؤتمر، والتوافق على حل سياسي يحقق رغبات السوريين في إقامة نظام سياسي ديموقراطي حقيقي، يضمن وحدة سوريا أرضاً وشعباً ومؤسسات، ويحترم التضحيات الجسام التي تكبدها الشعب السوري في الأرواح والممتلكات.

Email