توظيف الدين في خدمة مرسي!

ت + ت - الحجم الطبيعي

من يسمع شيوخ التيارات الدينية ودعاتها في مصر، يتصور أن الرئيس محمد مرسي مذكور بالاسم في كتاب الله، وربما يكون موصوفاً بالتفاصيل والهيئة والرسم، وأنه جاء إلى مٌلْك مصر مؤيداًً من السماء بنص واضح ملزم، والخروج عليه هو خروج من الدين وكفر بواح!

وما قاله الشيخ محمد عبد المقصود، نائب رئيس الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، في الصالة المغطاة لاستاد القاهرة وسط حشد من عشرين ألفا من مؤيدي الرئيس، مجرد مثال صارخ، إذ وقف يدعو: «اللهم اجعل 30 يونيو يوم عز للإسلام والمسلمين، وكسر لشوكة الكافرين والمنافقين، اللهم رد كيدهم في نحورهم، اللهم إنا نعوذ بك من شرورهم».

 و30 يونيو، لمن لا يعلم، هو يوم خروج ملايين المصريين غضبا ورفضا لحكم جماعة الإخوان والرئيس مرسي.. يعني؛ خلاف سياسي بين الرئيس ومواطنيه على سياسات وبرامج وأساليب إدارة الدولة، وليس خلافا دينيا أو مذهبيا أو فقهيا، فكيف يصف هذا الشيخ مواطنين مثله بأنهم «كافرون ومنافقون»؟! ومن أين أتى بأن بقاء مرسي في الحكم هو عزة للإسلام؟!

ينقذنا الدكتور جمال عبد الهادي، أحد أقطاب جماعة الإخوان، بتفسير جامع مانع، إذ قال: «إن أحد الأشخاص رأى رؤية بها النبي صلى الله عليه وسلم والرئيس محمد مرسي وبعض الحضور، وحان وقت صلاة العصر، فقدم الناس رسول الله للصلاة، فقال النبي بل يصلي بكم الرئيس محمد مرسي».

إذاً، هم يستندون إلى رؤية فيها الرسول (ص) يدعو الرئيس مرسي لإمامة الصلاة في وجوده.. ومن هنا يمكن أن نفهم فتوى الداعية وجدي غنيم: التمرد على مرسي تمرد على الإسلام نفسه، ومن سيخرج ينازعه في الحكم ويطالب بإسقاطه كافر ويُقتل». نص لا يقبل الشك ولا التأويل، ولا يدع مساحة ولو بوصة واحدة لأي اجتهاد مخالف، فلا اجتهاد مع النص!

والداعية وجدي غنيم لم يسأل نفسه: هل المواطنون المتظاهرون يوم 30 يونيو ينازعون مرسي الحكم فعلًا، ليحل أحدهم محله؟!

الإجابة سهلة للغاية، فهؤلاء المعارضون لا يقدمون اسماً بديلاً لمرسي، وإنما هم يطلبون انتخابات رئاسية مبكرة، وليست هذه بدعة، بل تقليد استثنائي معمول به في أعتى الديمقراطيات حين تضطرب الأحوال السياسية وينقسم المجتمع بشكل يهدد سلامه وأمنه، فيعود الجميع إلى صندوق الانتخابات مجددا، حسما للخلافات المشتعلة بلا حلول.

وهؤلاء المعارضون لا يثقون في رؤى الإخوان، ويعتقدون جزما أن بقاء الرئيس في الحكم لاستكمال مدته الدستورية، خطر حقيقي على أمن مصر القومي ومستقبلها، ومعهم عشرات الأدلة الدامغة على «صحة» هذا الخطر.. والسؤال: إذا كان الاختيار والمفاضلة بين درء الخطر عن الوطن ومصلحة الرئيس وجماعته، فكيف يختار المصريون؟! في عرف دعاة الجماعة والإسلاميين «طز في مصر وأبو مصر»، كما قال مرشد الجماعة السابق في تصريح ساخن قبل سنوات.. المهم أن الإسلاميين يبقون في الحكم حتى لو خربت البلاد وانهارت معيشة العباد!

وحدد وجدي غنيم نوعية المواطنين المتظاهرين في 30 يونيو: إن المشاركين في مظاهرات 30 يونيو هم «العلمانيون والبلطجية والصليبيون والشباب المُغرر بهم، وهؤلاء كفار». وطبعا ليس بعد الكفر ذنب، لكن من الذي جعل الكفر سلعة سهلة التداول إلى هذا الحد؟!

يبدو أن التيارات الدينية التي مارست عنفاً طويلاً في مصر، وقتلت وأسالت دماء أبرياء مصريين وسياح أجانب، تؤمن بـ»إسلام» آخر خاص بها، هي التي تعرف أسراره ومقاصده الشرعية وأركانه، ولديها في الوقت نفسه «جهاز» كشف درجة إيمان المسلم ومدى صدق نيته ومكنون قلبه، وهو إسلام لا يعرفه أغلب المسلمين في بلاد المعمورة، ولهذا يسمون أنفسهم «إسلاميين» وهي تسمية جديدة تماماً..

فالإسلام منذ تكليف الرسول عليه الصلاة والسلام بإبلاغه للعالمين، لا يعرف وصفاً للمؤمنين به غير «المسلمين»، وقد مر ما يقرب من أربعة عشر قرنا قبل أن يقفز الوصف الجديد «الإسلاميين» ويلتصق بتيارات رأت فيه حلمها وفهمها للدين، فيا ترى هل هو اجتهاد جديد أم مذهب جديد أم توصيف يعزل أصحابه عن التيار العام من المسلمين، من باب الرفض لهذا التيار والتميز عليه؟!

لا يعلم أحد حقيقة الوصف غير أنه «مقرون» بالسياسة، كما لو أن السياسة عمل طارئ على المسلمين، لم يعرفوه أيام النبوة ولا في مفاوضات سقيفة بني ساعدة بين المهاجرين والأنصار على اختيار خليفة للمسلمين، وليس لـ»لإسلاميين» ذكر بعد وفاة الرسول، ولا في الدولتين الأموية والعباسية، إلى أن جاء هؤلاء الإسلاميون يستكملون نقصا سياسيا وجدوه في الدين.. طبعاً..

الحكاية كلها مربوطة بسقوط الخلافة العثمانية قبل تسعين عاماً، ولم تكن أبداً في أي وقت خلافة إسلامية إلا اسماً واستغلالاً للدين في السيطرة على بلاد المسلمين، وهؤلاء يحاولون إعادتها ليحكموا هم باسم الإسلام.

ولهذا ليس غريباً أن يكون الخروج على مرسي كفراً يستحق القتل، كما لو كان ركناً من أركان الدين!

Email