سفينة نوح أو سفينة التيتانيك

ت + ت - الحجم الطبيعي

العلاقات القطرية الإماراتية لا تحتاج إلى شرح ولا إلى تفصيل. فحكام كل دولة منهما جاءوا من فرع واحد من قبائل الجزيرة العربية. وتظل هناك مسألة مهمة جدا في علاقة الدولتين: حق الجيرة. ألم يوصِ النبي عليه السلام بسابع جار؟ فكيف بمن يسكن على يمينك؟ وفي يوم ما كانت حدود قطر والإمارات متداخلة، حتى ليعجز رجال الطبوغرافيا عن تحديدها بدقة.

وهذا لم يمنع من أن تظل دولة قطر الأخ والجار والصديق والمقرب لحكام دولة الإمارات وشعبها. بل إن كثيرا من العائلات الإماراتية قد هاجرت قبل اكتشاف النفط إلى دولة قطر للعمل بها وقامت حكومة قطر بمنحهم الجنسية القطرية وتمت معاملتهم على أنهم من أبناء قطر لأنهم جاؤوا من الإمارات ومن بين هذه العائلات من فضل البقاء فيها حتى بعد قيام الاتحاد وذلك ردا للجميل ووفاء بالعهد وإخلاصا لمن استضافهم وأكرمهم من جانب الحكومة القطرية. وظل الإماراتيون في قطر قطريين، والقطريون في الإمارات إماراتيين من الدرجة الأولى.

ومن عادة الأشقاء أن يختلفوا حينا ويرضوا أحيانا كثيرة، وربما مرت العلاقات الإماراتية القطرية ببعض العتب الذي يحدث بين الأشقاء، ولكنه لا يتعدى العتب الذي يحدث في بيت كل منا. وسرعان ما تعانقا وتركا الماضي خلفهما.

تأتي زيارة الفـريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولـي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى أخيه الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ولي عهد دولة قطر الشقيقة، في هذا الإطار، إعادة التأكيد على الروابط التاريخية والاجتماعية والأسرية التي تربط بين البلدين. العالم من حولنا يعـج بمتغـيرات انقلبت خيرا على بعضهم وشرا على معظمهم. وما زالت المتغيرات تتسارع، والعالم من حولنا يتفـرج علـى الشرق الاوسـط فـي حـالة غليان وصراع غريب مـن نوعـه لم يعرفـه تاريـخ الإسـلام ولا الأمـة العربية من قبل، طفت فيه على السطح الخلافات العرقية والطائفية والمصالح الدولية والأطماع الغربية.

ويبدو أن أحدا لن يسلم من هذه النيران التي خرجت عن نطاق السيطرة واختلط فيها الحابل بالنابل وأصبح هناك أفراد وجماعات ودول تخطط لأكثر من زرع الخلافات وإثارة الفوضى. ونحمد الله على أن منطقتنا التي جمعها هدف واحد، هو هدف التعاون، بعيدة كل البعد عن الدخول في نفق نعرف جميعا بدايته ولكن لا أحد يعرف نهايته.

مجلس التعاون لم يقم قبل 33 عاما من فراغ. وقتها كانت المخاطر في حدود نعرفها جميعا، واليوم المخاطر تحيط بهذا المجلس من كل جانب وصوب أشبه ما تكون كالسفينة التي تبحر في بحر هائج. فمصير هذه المنطقة كلها على ظهر هذه السفينة، فإذا ما تعرضت الإمارات لخطر، تعرضت قطر للخطر ذاته ولو بعد حين. وهناك أقطاب خارجية تدعي الإسلام والإسلام منها براء تحاول وما زالت توريط سفينة مجلس التعاون وجرها للغرق من خلال إثارة الخلافات المصطنعة فيما بين حكامها وشعوبها، ولكنها لن تفلح، لأن مصير دول مجلس التعاون معقود فيما بينها.

الشيخ زايد، رحمة الله عليه، أحس بفطنة البدوي بهذه المخاطـر قبـل أن تحـدث قبـل أربعين سنة، فبنى سفينة دولة الإمارات وأركبنا فيها. وزيارة ابنه الفريق أول سمو الشيـخ محمـد بـن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى قطر إنما جاءت في هذا السياق الأخـوي والمصير المشترك، والسير في هذا الاتجاه الآمن قبل أن نصطـدم بواقـع مر وأليم، ونصبح ليس كما أصبحت سفينة نوح عليه السلام، ولكن لمصير يشبه مصير سفينة التيتانيك المعروفة.

 

Email