دوامة الكويت

ت + ت - الحجم الطبيعي

دخلت الكويت للمرة الثانية في دوامة سياسية جديدة لم يمر على سابقتها سوى أشهر معدودة، فقد قررت المحكمة الدستورية الأحد الفائت 16 الجاري، حل مجلس الأمة الحالي الذي انتخب في الأول من ديسمبر الماضي، وأبقت على نظام الانتخاب الجديد القائم على الصوت الواحد. وبررت حل المجلس الحالي بأن إجراءات انتخابه لم تكن سليمة، فيما اعتبرت أن نظام الصوت الواحد يؤدي إلى تمثيل أفضل لرأي الأمة، وبالذات لجماعات الأقلية التي لم يكن صوتها مسموعاً في ظل النظام الذي كان متبعاً.

والذي كان يعطي الناخب حق التصويت لأربعة مرشحين. ونظام الصوت الواحد هو القشة التي قصمت ظهر البعير بين المعارضة والحكومة، والذي أدى إقراره إلى مقاطعة الانتخابات ثم التظاهرات المتعددة التي أعقبتها.

والتي أدت إلى حالة من التجاذب السياسي الحاد في الشارع الكويتي. وكان من ضمن وسائل معارضي الصوت الواحد، فضلاً عن النزول إلى الشارع، اللجوء إلى المحكمة الدستورية والطعن بنظام الصوت الواحد والاحتجاج بأن حالة الضرورة لم تكن تنطبق عليه. أما وقد رفضت المحكمة ذلك الطعن، فإنه من المبكر التكهن بما سيكون عليه موقف المعارضة!

فقد جاء حكم المحكمة متوازناً، فهو من ناحية ثبت نظام الصوت الواحد وثبت شرعيته بحيثيات حكمه التي أورد فيها جملة من الأسباب والحجج التي يصعب الرد عليها وتفنيدها، وبالذات أن هذا النظام يعتبر أكثر تمثيلاً من سابقه، أي أنه أكثر ديمقراطية. بمعنى أن الحكم أراد أن يقول في هذا الشق، إنه إذا كانت المعارضة تسعى ـ كما تقول ـ إلى نظام ديمقراطي عادل فهذا النظام يحقق لها ما تصبو إليه، وبالتالي لا داعي إلى المقاطعة.

ومن ناحية ثانية، أبطل الحكم المجلس السابق، الذي جاء بنظام الصوت الواحد، والذي وصمه الكثيرون بأنه "أداة بيد الحكومة"، وفتح المجال للجميع ـ وبالذات للمقاطعين ـ ليجربوا حظهم في خوض غمار الانتخابات القادمة، إذ بإمكانهم الحصول على شرف التمثيل النيابي، خاصة أنهم يدّعون أنهم يمثلون أغلبية الشعب الكويتي، ليأتي المجلس القادم متوازناً وممثلاً للجميع.

وأغلب الظن أن هذا الحكم سيشق جبهة المعارضين والمقاطعين ويضعهم في مأزق: فالذهاب إلى المحكمة الدستورية يعني ضمناً الاحتكام إليها وقبول ما يصدر عنها، وبالتالي فمن الصعب على المعارضة والحال هذه، الدعوة ثانية إلى مقاطعة الانتخابات القادمة والتي ستكون على نظام الصوت الواحد، وإلا فقدت مصداقيتها أمام الشارع الكويتي.

وخوض الانتخابات القادمة أيضاً سيضعفها، إذ إن جزءاً كبيراً من قوة المعارضة الانتخابية إنما كانت تأتي من اختيار الناخب لأكثر من مرشح، وبالتالي كان المرشحون يقيمون تحالفات في ما بينهم (نظام شيلني وأشيلك، أي ساعدني وأساعدك)، وكان نصيب الأسد في ذلك يكون للقبائل الكبيرة التي تغلق مناطق انتخابية بشكل كامل على مرشحيها. ومن المعلوم أن المعارضة "الجديدة"، سواء الدينية أو "الشعبوية"، إنما أضحت تستمد قوتها أساساً من أبناء القبائل الكبيرة.

والمتابعون يرون أن معظم المقاطعين سيشاركون هذه المرة، وسيكون الإقبال على صناديق الاقتراع عالياً. فمقاطعة القبائل الكبيرة (مطير والعجمان والعوازم) قد هوت بتمثيلها في المجلس السابق. والإخوان المسلمون يتطلعون إلى العودة والعمل ضمن قبة البرلمان، خاصة أنهم فشلوا في دفع المعارضة إلى أبعد مما ذهبت.

أما التيار السلفي الذي قاطع فريق مهم منه، فإنه يلوم نفسه على أن غيابه قد أعطى تمثيلاً كبيراً للشيعة (15 نائباً)، في حين أنهم في الانتخابات العادية لم يكونوا يحصلون إلا على نصف هذا العدد. أما الأحزاب الشيعية، التي شاركت بكثافة، فيحدوها الأمل بأن تحقق المزيد في الانتخابات القادمة، أو على الأقل أن تحافظ على مواقعها. هذا من حيث الحسابات السياسية، أما بعيداً عنها ـ وهي بارقة الأمل الوحيدة - فقد اعتبر الخبير الدستوري د. محمد الفيلي، أننا أمام حكم قرر فيه القاضي الدستوري مراقبة مفهوم مراسيم الضرورة.. وبالتالي فالحكم يشكل خطوة مهمة إلى الأمام، بغض النظر عمن كسب سياسياً أو خسر.

ولعل هذا المكسب الدستوري ما يبقي الأمل عامراً في نفوسنا.

 

Email