«الإخوان» والهروب إلى دمشق

ت + ت - الحجم الطبيعي

هذه مفارقة نادرة ترتقي إلى درجة العجب، وربما تتجاوز العجب إلى الغرائب، فما معنى أن يقف الرئيس المصري محمد مرسي في الصالة المغطاة لاستاد القاهرة، متحدثا في الأهل والعشيرة من جماعة الإخوان والتيارات الدينية الداعمة لها، ويناشد الشعب المصري جميعا أن يكونوا مع سوريا شعبا وإرادة ضد من يحكمها، "ولن يغمض لنا جفن حتى نرى السوريين الأحرار يقيمون دولتهم الموحدة المحررة''، هذا في الوقت الذي قاربت حركة تمرد جمع 15 مليون توقيع من المصريين ضد بقاء الرئيس مرسي نفسه في حكم مصر؟! معناه أن حالة الفوضى والارتباك والاضطراب الضاربة في مصر، ليست مقصورة على "الشارع" فقط، وإنما هي ممتدة ومحيطة بالرئاسة نفسها، وربما هي تابع من توابع أزمة السلطة، كما يقول المثل الشعبي "السمكة تفسد من رأسها".

لكن هذا لا يحل المعضلة أو يقترب منها، فنحن أمام رئيس أكبر دولة عربية، تتمرد عليه تيارات كثيرة في شعبه، وحددت له تاريخا معينا تخرج فيه إلى الشوارع والميادين رافعة شعارا واحدا: ارحل.. ارحل! وبدلا من أن يبحث الرئيس مع هذه التيارات سبل فتح "كوة" في الجدران السميكة الفاصلة بينهما، لعل شعاعا من ضوء ينفذ منها يبدد عتمة الشك والتربص، إذا به يغادر بعقله ونفسه أرض وطنه الذي على فوهة بركان، إلى دمشق متحدثا عن رئيس مثله في مأزق لا يقل صعوبة عن مأزقه هو.

فعلا.. منتهى العجب!

تتنوع التفسيرات وتتشابك، ما بين جماعة ورئيس يستعرضان القوة وسط حشود مؤيدة ومصفقة وهاتفة له وصارخة من أجله، وكلها انفعالات ساخنة ممزوجة برسائل تهديد للمصريين الذين يصرون على الخروج يوم 30 يونيو، لعل سخونة الاستعراض تتسلل من الصالة المغطاة إلى بقية المصريين، فيقعدون في بيوتهم ويمر ذلك اليوم على خير..

وما بين جماعة ورئيس يجسدان فزعا حقيقيا ويملؤهما الخوف مما قد يحدث لهما في اليوم الموعود، ويعبران عنه بنوع من الهروب إلى قضية سوريا والتصعيد ضد بشار الأسد، كما هو الحال دائما مع قضية فلسطين، التي استغلها ـ وما زال - كثير من الحكام ساترا ضد شعوبهم الثائرة عليهم!

قد يكون التفسير الثاني أوقع نسبيا، فلو كان الاستعراض جرى في استاد القاهرة الذي يمكن أن يتسع لسبعين ألف مشاهد وقد يرتفع أحيانا إلى تسعين ألفا، لقلنا إن الرسالة صحيحة وواضحة، فالحشد بهذا الرقم في هذه الظروف الضاغطة على الجماعة، يدل دلالة قاطعة على أنها تملك زمام الأمور في الشارع.

أما حشد 16 ألفا في الصالة المغطاة من سبعة أو ثمانية أحزاب إسلامية قبل "اليوم الموعود" في 30 يونيو بأسبوعين فقط، فهو يشي بأن الأمور لا تمضي على ما يرام، وأن ثمة مخاوف كبيرة قد تسربت إلى أفئدة الجماعة، فلم يتمكنوا من "تنظيم" فعال لاستعراض القوة يخيف خصومهم، فأتى اللقاء بنتائج عكسية في الشارع المصري، ظهر قبل أن ينزل ستار النهاية، على صفحات التواصل الاجتماعي من سخرية وتهكم وتوعد وإصرار على إعلان التمرد ضد الرئيس في الشوارع والميادين! في صباح نفس اليوم أطلقت قوى إسلامية مبادرة لنبذ العنف، لكن الأحزاب المدنية رأت فيها مناورة أكثر منها مبادرة، مناورة من جماعة الإخوان وأعوانها وهدفها.. أولا: «احتواء» الغضب الشعبي المتزايد ضد حكم الرئيس مرسي.

ثانيا: تبرئة أنفسهم مما سيحدث في «30 يونيو»، من عنف متوقع يحمله تاريخهم وأعمالهم.

 وبالفعل توالت التهديدات من التيارات الإسلامية ضد المعارضين، تحت زعم الدفاع عن شرعية الرئيس المنتخب من شعبه، دون أن تسأل نفسها: هل ما زالت شرعية الرئيس قائمة بنفس قوتها يوم توليه السلطة؟!

الإجابة السريعة غير المتأملة وغير العلمية: نعم شرعية الرئيس بنفس قوتها! وهي إجابة قابلة للجدل، تقابلها شكوك هائلة في صحتها.

فالرئيس مرسي في عرف معارضيه لم يكن من حقه الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، وقبول أوراق ترشحه تم بالتواطؤ بين المجلس العسكري الحاكم وقتها ولجنة الانتخابات الرئاسية، تحت ضغوط هائلة من الولايات المتحدة.

فالدكتور محمد مرسي كان هاربا من سجن وادي النطرون في أحداث اقتحام السجون في 28 يناير 2011، وكان محبوسا احتياطيا على ذمة قضية خطيرة تمس الأمن القومي المصري، وكان عليه أن يحرر نفسه أولا من ملابساتها، وهروبه من السجن دون تسليم نفسه مثله مثل المساجين الذي فعلوا ذلك، يعد جريمة أخرى خلاف الجريمة التي كان محبوسا على ذمتها، سواء كانت الجريمة الأصلية صحيحة أو ملفقة أو مدبرة..

وما زالت تهمة الهروب من السجن معلقة في رقبته، ودليلها دامغ وهو عبارة عن تسجيل لمكالمة هاتفية بينه وبين قناة الجزيرة بعد هروبه مباشرة، يتحدث فيها عن اقتحام السجن وخروج المساجين..

ناهيك عن أن الشرعية الدستورية مرتبطة تماماً بكفاءة الأداء، والحفاظ على الدولة ووحدتها وسلامة أراضيها وأرواح مواطنيها.. فكيف يكون الحال في دولة يكاد الاستقطاب السياسي يعصف بوحدتها، وجنودها يقتلون في سيناء، والفوضى ضاربة فيها، ثم يقطع الرئيس علاقاتها بالنظام السوري لأنه ضد شعبه؟!

فعلا.. هي مفارقة مذهلة.

عموما، ما يحدث من مناورات ومؤتمرات من التيارات الدينية، يشي بأن 30 يونيو سيكون يوما حاسما في تاريخ مصر والمنطقة كلها!

Email