التسوية السياسية السورية بين الداخل والخارج

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تعد توجد أهمية تذكر وذات فعالية في حل الأزمة السورية، للأطراف السورية المتعددة والمتنوعة والمتناقضة أحيانا، كالمعارضة السياسية الداخلية أو الخارجية أو المسلحة، أو حتى أهل السلطة ورموز النظام السياسي القائم، وغدا الحل الممكن والفعال في أيدي دول أخرى تحاول كل منها أن "تتعكز" على طرف سوري داخلي، وتؤكد أن لديها تفويضا من هذا الطرف أو ذاك..

وتتحاور هذه الدول، وتتفق وتختلف، وتضع شروطا وترد على شروط، وتأمر وتنهى، وتشارك الأطراف السورية في إبداء الرأي، وفي الإعلان (مجرد الإعلان فقط) عن قبول هذا الموقف الدولي أو ذاك، وتوهم نفسها أحيانا.

كما يفعل أهل السلطة والنظام غالبا، أنهم لن يقبلوا من مؤتمر جنيف إلا أن يكون سوريا محضا، لا تتدخل فيه الدول الأجنبية، بينما تعتقد مجموعات كبيرة جدا من المحللين والسياسيين والرأي العام الداخلي والعربي والدولي، أن الأطراف السورية (المعارضة والموالية) ليست هي من يقرر، وأن الحل الحقيقي يقع في أيدي الدول الأخرى، العربية والدولية، وأن آراء المعارضة أو قادة السلطة لا تقدم ولا تؤخر.

وفي ضوء ذلك، يتابع الجميع تصريحات وزيري الخارجية الأميركي والروسي، على أساس أنها من "أم العروس وأبيها"، وما الأطراف الداخلية (المتناقضة والمتصارعة) إلا "بيادق" في أيدي هؤلاء اللاعبين لا أهمية جدية لها سوى تبرير مواقف الكبار.

ويرى هؤلاء المراقبون أن الحل خارجي ويرتبط باتفاق عدد من الدول الأخرى وتحقيق مصالحها، فالشروط الموضوعية للحل تقتضي بالضرورة موافقة إيران (وتوابعها)، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، وبعض الدول العربية.. وقبل ذلك كله موافقة إسرائيل، دون أن ينتبه أحد لرأي الشعب السوري.

وإن لم توافق هذه الدول أو تتوافق، فمن المتعذر إيجاد الشرط الموضوعي المطلوب والضروري للوصول إلى تسوية شاملة وراسخة. فالحل، إذن، لم يعد يرتبط فقط بالشأن السوري الداخلي، بل يرتبط أيضا ويتداخل مع مصالح هذه الدول والتجمعات ومواقفها،.

وإن لم تتحقق هذه المصالح لكل منها (جزئياً على الأقل) فإن حل الأزمة السورية لن يأتي قريبا، وسيل الدماء سوف يستمر.. إيرانياً، تصبح التسوية ممكنة عندما تعترف جميع الأطراف الإقليمية والدولية بإيران شريكا حقيقيا في المنطقة، وتوافق على مصالحها ودورها الإقليمي..

وروسياً، لن تكتمل الشروط الموضوعية للتسوية في سوريا، ما لم تتحقق مصالح الروس في احتفاظهم بالقاعدة البحرية في طرطوس، وتسهيل تواجد أسطولهم في المتوسط، وقبولهم لاعبا ذا شأن في شؤون المنطقة وسياساتها المستقبلية.. أما أوروبا والولايات المتحدة، فإنهما ترغبان حلاً يؤسس شرقا أوسطيا حليفا لها، ودودا دافئا، أقرب إلى قبول سياساتها منه إلى مناقشتها، يحافظ على المصالح الغربية في بلاده.

كما تشترط أن لا يكون أي دور أو أهمية أو شراكة "للفئات المتطرفة" التي تسميها عادة "الإرهابية"، في شؤون سوريا أو في شؤون المنطقة، إضافة إلى مراعاة الموقف الإسرائيلي ومطالبه من النظام السوري المقبل.

أما بعض الدول العربية، فغالبا لا تملك أوراقا وتأثيرا في الشروط الموضوعية المطلوبة للتسوية التاريخية، باستثناء عطفها على الشعب السوري، ودعم المعارضة ماليا وتسليحيا، وإغاثة الشعب المنكوب، وبالتالي فإن همها الأساس هو الخلاص من النظام السوري القائم، الذي مارس العنف والقتل والتدمير ضد شعبه، والعداء مع الدول العربية، حيث لم تعد موجودة أية إمكانية للقاء معه ثانية.

أما الأهم في شروط التسوية التاريخية، فهو قبولها من الجانب الإسرائيلي، الذي يرغب في أن يتم تدمير كامل شامل لسوريا؛ تدمير نسيجها الاجتماعي وتحويلها إلى طوائف وإثنيات ومجموعات متقاتلة، وتدمير بنيتها التحتية كاملة ومؤسسات القطاع العام، وقواعد الجيش السوري، وخاصة أسلحته الصاروخية والكيميائية، أي إعادة سوريا قرنا إلى الوراء في مختلف المجالات.

وترى إسرائيل أن إطالة الصراع العسكري بين السلطة والمعارضة كفيل بتحقيق هذا الهدف، ولا شك أن السلطة باستمرارها في ممارسة العنف تساعد على ذلك.

وعند اكتمال هذا التدمير الشامل توافق إسرائيل على التسوية. إذا صحت آراء هذا الفريق الذي يرى أن الخارج هو المؤهل لتحقيق تسوية تاريخية في سوريا، وأن شروطها الموضوعية تقتضي أن تقبل بها هذه الأطراف الدولية، فإن التسوية المنشودة مرتبطة بتوافق الجميع، وبالوصول إلى مساومة (تاريخية أيضا) بين هذه الأطراف.

أما الداخل السوري (نظاما ومعارضة) الموهوم بأن موقفه هو الذي يحسم التسوية، فما هو، في نظر هؤلاء، سوى مخدوع لا يعرف بدقة ما يدور حوله. ولعل الخطأ الرئيس الذي ارتكبته المعارضة السورية وأصدقاؤها، هو موافقتها على نقل معالجة الأزمة السورية إلى خارج الحدود، والاعتقاد بأن الخارج كفيل بحلها، وها هي تستعصي أو تسلم نفسها للدول الأخرى، حيث تصعب الآن إعادتها للداخل.

 

Email