موقع الإمارات في الابتكار بمؤشر التنافسية العالمي

ت + ت - الحجم الطبيعي

اسمحوا لي في البداية أن أطرح هذا السؤال: هل الاقتصاد الإماراتي هو اقتصاد مبتكر؟

هناك أكثر من سبب يجعلني أميل إلى هذا الاعتقاد. ومن بين هذه الأسباب تلك السمعة الحسنة التي يترجمها ما يرد على ألسنة المواطنين والمقيمين، سواء كانوا مهنيين أو عمالاً، والسياح الزائرين، والتي مفادها أن دولتنا هي المفضلة لديهم من بين سائر دول الشرق الأوسط وكثير من دول العالم، من حيث العيش والعمل والأمان والعدل وضمان الحقوق.

هذه الإفادات تثبتها التقارير الصادرة من منظمات دولية، مثل البنك الدولي والمنتدى الاقتصادي العالمي، التي تؤكد صحة الاتجاه الذي يسير فيه اقتصاد الإمارات والتنمية الاجتماعية فيها، بالإضافة إلى ما تبثه وسائل الإعلام المحلية والدولية من أنباء وتقارير تفيد بأن الدولة لديها أعلى نسبة مستخدمين للإنترنت في الشرق الأوسط، أو كونها واحدة من أفضل بلدان العالم من حيث توفير بيئة مثالية للاستثمار بأعمال تجارية. وعلى الرغم من أنني متحفظ قليلاً حول مدى تمتع اقتصادنا بصفة الابتكار، فإن هذا النوع من الأحاديث والأخبار يتعارض مع اعتقادي.

ولعل أكثر ما جعلني فخوراً وأجبرني على إعادة النظر في موقفي هو "تقرير التنافسية العالمي 2012-2013" الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي صنّف اقتصاد الدولة كواحد من الاقتصادات المرتكزة على الابتكار. وهي ـ للعلم ـ الدولة الوحيدة من بين سائر الدول العربية ودول الشرق الأوسط التي صُنفت بهذا المستوى، ما وضعها جنباً إلى جنب مع دول متقدمة وذات تاريخ عريق في مجال الابتكار، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وسويسرا والسويد وسنغافورة واليابان.

لقد صنف التقرير المذكور مستوى تنمية اقتصادات العالم إلى ثلاثة مستويات:

المستوى الأول (38 دولة) يضم الاقتصادات المرتكزة على العوامل الأساسية، وهي طبيعية في معظمها، مثل الزراعة والمعادن. بينما يضم المستوى الثاني الاقتصادات المرتكزة على فعالية المؤسسات الداعمة فيها مثل المؤسسات التعليمية والمالية والعمالية، وعددها 33 دولة. أما المستوى الثالث فيضم الاقتصادات المرتكزة على الابتكار، وعددها 35 دولة من بينها الإمارات. وكانت هناك 38 دولة في طور انتقالي من مستوى إلى آخر.

وما يدعو للفخر أن الدولة نجحت في اجتياز الركائز الاثنتي عشرة للقدرة التنافسية التي تم استخدامها لتقييم المستوى التنافسي لكل بلد، في جميع أنحاء العالم. لقد نجحنا بالفعل في كسر التفكير النمطي السائد على نطاق واسع في معظم المجتمعات العربية والإسلامية، والذي يرى أن ثقافتنا ونظامنا يعيقان الأفكار الإبداعية. ما حدث اليوم هو أننا نجحنا في إيجاد ثقافة قادرة على التكيف والتغيير، حيث تشارك المؤسسات الاجتماعية في تغيير الثقافة والنظام، وتتيح للأفراد إدراك الواقع الجديد واستيعابه.

إن السبب الذي جعلنا قادرين على انتزاع موقع لنا بين مجموعة البلدان المبتكرة، هو أننا تمكنا من الانعتاق من أسر الفكر السائد والانتقال إلى نظام أكثر انفتاحاً ومرونة وقابلية للتكيف. وليست تلك بالخطوة اليسيرة، كما أنه ليس كل مجتمع قادراً على تحقيق ذلك دون أن يدفع ثمناً باهظاً ودون أن يمر بحالة من عدم الاستقرار. أما الإمارات فقد تمكنت من تحقيق كل ذلك دون مخاطرة ودون المرور بأي عوامل مخلة بالنظام.

إن تصنيف الإمارات كاقتصاد ذي توجه نحو الابتكار يدفعني لأكون معنياً ومهتماً أكثر. أول الأسباب لذلك يتمحور حول كيفية إدراك الناس في الدولة لهذا التصنيف. ويتعلق السبب الثاني بحقيقة وواقع الابتكار في الاقتصاد الإماراتي.

الإجابة عن السبب الأول هي أن الناس يجب أن تبقى بمنأى عن نشوة الانتصار. لا ينبغي أن نظن بأننا بلغنا أقصى ما نطمح إليه في بناء هذا البلد. بل على العكس من ذلك، فموقفنا في هذه المرحلة يفرض علينا ضغوطاً أكثر من أجل تحقيق المزيد. وهذا ما يؤكده التقرير نفسه حين يقول إنه "بالنسبة لأولئك الذين وصلوا إلى مرحلة الابتكار في التنمية، فإن قدرتهم على استخدام التكنولوجيات المتاحة لم تعد كافية لزيادة الكفاءة الاقتصادية والانتاجية. يجب على مؤسسات الأعمال في هذه البلدان أن تخترع وتبتكر وتصمم وتطور منتجاتها وأساليب عملها من أجل الحفاظ على القدرة التنافسية لتلك الدولة". في الماضي كان منافسونا دولاً إقليمية وشرق أوسطية، أما اليوم فقد بات هؤلاء المنافسون أكثر قوة وتقدماً.

وللإجابة عن السبب الثاني أقول إنني قمت بتعديل موقفي، متبنّياً موقفاً آخر أكثر وسطية، وذلك بإقراري أننا دخلنا مرحلة الاقتصاد ذي التوجه الابتكاري، ولكننا في بداية الطريق لكي نصبح مبتكرين. وقد بنيت موقفي هذا أولاً على ما قاله صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي حفظه الله بأننا مازلنا في البداية. وثانياً، على البيانات الواردة في تقرير التنافسية المذكور آنفاً، والتي من خلالها حدد مستوى الدولة الاقتصادي.

لقد استخدم التقرير دعامتين لتحديد مستوى الابتكار لدى كل بلد، وهما: مدى تطور مؤسسات الأعمال، والابتكار. وقد حددت الدعامة الأولى من خلال تقييم تسعة عوامل أحرزنا موقعاً متقدماً في اثنين منها (في العامل الأول كان ترتيبنا الرابع وفي العامل الثاني كان ترتيبنا الخامس)، بينما تراوح ترتيب الدولة في بقية العوامل بين 15 و26. أما بالنسبة للدعامة الثانية؛ وهي الابتكار؛ فقد حددت من خلال تقييم سبعة عوامل أحرزنا موقعاً متقدماً في عامل واحد وكان ترتيبنا الثالث، وتراوح ترتيب الدولة في بقية العوامل بين 15 و45.

هذه النتائج تعني بأن الدولة تميزت في توظيف التكنولوجيا لرفع الكفاءة الحكومية والأداء الاقتصادي وممارسات الأعمال والتي أحرزنا في بعض عواملها المركز الأول، بيد أنها لم تصل بعد إلى مرحلة التميز في الابتكار، ليكون لها مثل قدرة الشركات للاستثمار في مجال البحث والتطوير، وقدرة المؤسسات التعليمية والاقتصادية والصناعية لتوحيد جهودها من أجل الاشتراك في إيجاد منتجات وخدمات ذات طابع ابتكاري.

أرجو ألا يتم قراءة موقفي هذا كاعتراض على هذه النتائج، بل إنني، كما ذكرت، فخور بما حققناه. ولكني أقول بأني لا أرى جهوداً حثيثة من الشركات أو أصحاب الأعمال أو من المؤسسات التعليمية والاقتصادية والصناعية التي تدعم بجدية توجه الدولة نحو الابتكار.

قد يحتجّ البعض بأن هناك جهوداً تبذل من بعض المؤسسات لدعم هذا التوجه، وذلك شيء أقرّ به وأعلم بعض هذه الجهود ولكنها تظل جهوداً فردية، غير مترابطة ولا تجمع بينها سياسة واستراتيجية عامة وقوية وموحدة. أما الدولة، فهي وإن كانت تعمل مشكورة نحو تحقيق الهدف المنشود، ولكن بدون إشراك وتعاون المؤسسات التي ذكرتها وتضافر جهودها مع مجهودات الدولة، فإن الطريق إلى تحويل دولة الإمارات إلى دولة مبتكرة سيكون طويلاً وبطيئاً، بما لا يرضي طموحات قيادة الدولة أو مواطنيها. في الواقع هناك حلقة مفقودة. ما هي؟ هذا ما سأناقشه في المقال القادم، إن شاء الله.

Email