«من القبيلة إلى الفيسبوك»

ت + ت - الحجم الطبيعي

يخالُ من يرى للوهلة الأولى عنوان كتاب د. جمال سند السويدي: "وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في التحولات المستقبلية: من القبيلة إلى الفيسبوك"، أن نية المؤلف تسليط الضوء على التغير الذي طال الحياة القبلية، بحيث تحولت من أنماط تواصلها المعتادة كالزيارات واللقاءات والمجالس والأفراح والأتراح، ونظم القوافي في مدح القبيلة في وقائعها الغابرة .

وفي أيامها الحاضرة، غير أنه يجد شيئاً آخر؛ أن ارتباط القبيلة بالكتاب الذي يتحدث عن عالم التواصل الاجتماعي الحديث إنما هو بمفهوم العصبية، إذ يرى الكاتب أنه كما أن حياة المجتمع التقليدي تتسم بظاهرة العصبية القبلية.

فإن الحياة الحديثة قد ولدت عبر وسائط التواصل الحديثة، عصبية من نوع "عصري" هي كما يسميها "عصبيات افتراضية"، مكمن ولائها وانتمائها لواحدة من خمسة مواقع عالمية للتواصل الاجتماعي، كالفيسبوك والتويتر وغوغل ولينكدإن وبنترست. ولا حاجة بنا إلى إيراد كل الأرقام التي يقدمها د. السويدي، فحسبنا أن نذكر أن مستخدمي تويتر يناير الماضي، قد وصلوا إلى 1.483 مليار مستخدم.

يحاول السويدي تتبع تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على حياة المجتمع الحديث، فيرى أن لها تأثيرات اجتماعية وسياسية وثقافية وقانونية وغيرها. ولعل أبرز تلك التأثيرات هو علاقة الفرد بالدولة. فهذه الوسائل قد كسرت احتكار الدولة للإعلام، سواء "الإعلام الرسمي" أو "إعلام الشركات الكبيرة" المتمثلة في الفضائيات والصحف "القومية" وغيرها.

أضحت الوسائل الحديثة "منبر من لا منبر له"، وحولت الجمهور المتلقي "الخامل" إلى جمهور "فاعل" يصنع الخبر، وذلك عن طريق رصد ما يحدث في كل الزوايا التي قد يهملها الإعلام الرسمي أو الفضائيات الخاصة، بشكل متعمد أو بسبب قلة الاكتراث.

ولا يمكن لكتاب كهذا أن يخرج للنور في هذا الوقت، دون أن يتطرق مؤلفه إلى ما فعلته وسائل التواصل الاجتماعي في واقعنا السياسي العربي، فملايين الشباب المصري، على سبيل المثال، قد استخدموا الفيسبوك والتويتر قبل الثورة وفي أتونها. وملايين من هؤلاء قد زاروا صفحة "كلنا خالد"، التي أسسها الناشط السياسي وائل غنيم في يونيو 2010 تخليداً لذكرى شاب مصري من مدينة الإسكندرية قتل غيلة في ذاك الوقت.

ولا يدخل في روع المؤلف أدنى شك بأن هذه الوسائل الحديثة إنما هي مجرد وسائل للتعبئة والتأجيج، وهي "بمنزلة أداة أو رافعة جديدة"، وليست سبباً في إحداث الثورة، ولو كانت كذلك لأشعلت ثورات في الدول الديمقراطية، التي تنتشر بين مواطنيها تلك الوسائل بشكل لا يقارن مع بلداننا.

ويتطرق السويدي إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي المذكورة قد أوجدت "بدعاً" جديدة، ومن أطرف ما يذكر في هذا المجال "الجهاد الإلكتروني"، ومن آياته ما قام به المهندس المغربي يونس تسولي.

وهو في بريطانيا، من إشرافه على موقع الزعيم السابق للقاعدة "أبو مصعب الزرقاوي"، بما يحويه هذا الموقع من تجنيد للأنصار وتعليم على السلاح وغير ذلك. ومثله قد يقال عن "عولمة الجريمة"، ومنها ما تم اكتشافه مؤخراً من التهرب الضريبي أو من غسيل الأموال أو ربما التشجيع على الانتحار.

وكنت أتمنى لو توسع الدكتور الفاضل جمال سند السويدي في ما يخص ضمور الصحافة الورقية، ذلك أن هذه الظاهرة ستمثل انعطافة كبيرة في حياتنا الثقافية، وما يترتب عليها من آثار اقتصادية. غير أن الدكتور أضاف إلى معلوماتنا جديداً، وهو ظهور "الكتاب الإلكتروني" وما يمثله ذلك من تسهيل في نشر المعرفة، ولعل أبرزها في تطبيق ذلك ضمن مناهجنا المدرسية، بحث يتم التحول تدريجياً إلى "الكتاب الإلكتروني المقرر"، والذي يحل بدلاً من كتبنا الورقية.

كتاب يستحق القراءة، فهو رشيق في أسلوبه، جديد في موضوعه.

 

Email