فتنة طائفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن مشاركة حزب الله في المعارك وفي بعض المذابح بشكل واسع ومتكرر في سوريا، لم تعد تخفي نفسها، وصار مطلوباً منه أن يبرر للسوريين واللبنانيين سياسته هذه وتدخله العسكري الفظ في الشأن السوري، ومشاركته النظام السوري حربه ضد شعبه.

وقد أعلن إعلام حزب الله، كما وأكد مسؤولوه، أن تدخله إنما هو لحماية سكان بضع قرى سورية من الطائفة الشيعية، يحملون الجنسية اللبنانية، إضافة لحماية بعض المراقد والمواقع الشيعية المقدسة في سوريا، أي أن أسباب التدخل التي زعمها الحزب أول الأمر هي أسباب طائفية، وبالتالي فالحرب التي شنها هي حرب طائفية لا صفة أخرى لها،.

وهذا ما أثار السوريين الذين أكدوا أن المقدسات الشيعية في سوريا هي مقدسات لدى السنة أيضاً، ولم تتعرض لأي عدوان على الإطلاق، والقرى المشار إليها لم يصبها سوء، ثم إن هذه المهمات تقع أصلاً على عاتق النظام السوري لا على عاتق حزب الله.

وتساءل السوريون إذا كان جزاؤهم "كجزاء سنمار" جراء مساعدتهم مئات آلاف اللبنانيين خلال عدوان إسرائيل على لبنان عام 2006. كما استفز هذا التدخل القوى السياسية والدينية اللبنانية، وأدى إلى رد فعل لدى بعضها فأخذت تتحفز لإرسال محاربين إلى سوريا.

وفي الخلاصة، بدا للجميع أن العمل عمل طائفي صريح، واتهموا إيران بأنها وراءه. وقد زاد هذا الأمر الحقد الطائفي في سوريا، واستنكر الجميع الأسباب التي ساقها حزب الله لتدخله ومشاركته في القتال وارتكاب بعض المجازر.

وصار لزاماً على الحزب أن يبحث عن مبررات جديدة وأسباب أخرى غير هذه التي لم تقنع أو ترض أحداً، فأعلن السيد حسن نصر الله الأمين العام للحزب في خطاب متلفز الأسبوع الماضي أسباباً جديدة، علّه يبرر ما لا يبرر لدى السوريين واللبنانيين أيضاً.

تراجع الأمين العام للحزب في خطابه عن الإشارة إلى الأسباب التي ذكرها إعلامه، وأعطى أسباباً جديدة مختلفة، خلاصتها أنه يساعد "ظهره" السوري، وداعمه الحقيقي ليمنع سقوطه، لأن ذلك السقوط سيكون كارثة على الحزب.

وركز على هذا السبب الوحيد، وتجاهل الأسباب الطائفية التي أعلنها حزبه قبل أيام، ولم يتعرض لا لحماية المقدسات ولا لسكان القرى، في الوقت الذي طالب الفئات اللبنانية المعادية له أن ترسل قواتها إلى سوريا ليتحارب معها هناك، وكان طلباً غريباً واستفزازياً للسوريين واللبنانيين.

وأعطى انطباعاً بأن سياسة حزب الله مرتبكة ومترددة ولا تنسجم مع ما كان يقوله سابقاً بأنه لن يستخدم السلاح إلا لمقاومة العدو الإسرائيلي، وبات واضحاً أن الحزب إنما ينفذ سياسة إيرانية وأن الأوامر تأتيه من طهران، ولا يملك حرية اتخاذ قراره بنفسه، ما يريد وما لا يريد، وخسر الحزب بذلك ما تبقى له من تأييد لدى البعض، وأضاع رصيده الذي كان يوماً مرتفعاً جداً.

إن تدخل حزب الله المسلح في الشأن السوري، والتوسع الكبير في مشاركته القوات السورية النظامية عملياتها الحربية التي تشنها ضد فصائل الثورة، هو بداية لتحويل الصراع العسكري في سوريا من صراع بين الشعب السوري وبين السلطة التي تحكمه، إلى صراع طائفي صريح، كانت السلطة السورية تتمناه وتسعى إليه وتبشر به، لتبرر قمعها الدموي، بحجة أنها تواجه فتنة طائفية وليس حراكاً شعبياً له أهداف سياسية وتشارك فيه كل الطوائف.

بينما لم تمارس المعارضة المسلحة والسياسية السورية طوال سنتين ونيف، أي عمل طائفي، لا قولاً ولا عملاً، رغم أن السلطة السياسية السورية، كانت وما زالت تسكت عن ممارسة بعض قواتها المسلحة النظامية أو بعض "شبيحتها" وميليشياتها جرائم ومجازر طائفية همجية، قتل فيها أطفال ونساء وتم التمثيل بجثثهم.

من جهة أخرى، اتضح للسوريين أن سلطتهم السياسية هي التي تستدعي قوى مسلحة خارجية لتحارب معها، وتشجع على ذلك، وصاروا متأكدين أن حزب الله، الذي من المفترض أن يكون حزباً مقاوماً ضد إسرائيل، أصبح الآن دمية في يد السياسة الإيرانية، التي تستخدم اللعبة الطائفية بهدف تحقيق مطامع إقليمية بطرق العنف والابتزاز والعدوان،.

وصولاً إلى الاعتراف بها قوة إقليمية ذات نفوذ، قادرة على إثارة الفتن ونشر عدم الاستقرار في دول الإقليم، ولذلك ينبغي أخذ دورها بعين الاعتبار (واتقاء شرها). والملاحظ أن هذا التدخل زاد الحقد الطائفي في نفوس السوريين، لكنه لم يدفعهم لممارسات طائفية.

وكان وعيهم عظيماً، ولم يقع أحد منهم في حبائل الفتنة الطائفية التي تسعى إليها إيران والنظام السياسي السوري. شمل تدخل حزب الله العسكري مناطق في شمال سوريا (قرى إدلب) وفي جنوبها (بصرى الشام) وغربها (القصير)، ويقول الإعلام الإيراني إنه "تدخل مشروع" وفي الوقت نفسه يستنكر وزير الخارجية الإيراني رفع الحظر الأوروبي على السلاح.

وبدوره يدعو الحرس الثوري الإيراني علناً المتطوعين للمشاركة في الحرب ضد الثوار السوريين، وتصدر السلطات السورية مرسوماً بإعفاء "الوفود السياحية" الإيرانية من رسم الدخول إلى سوريا.. فهل يتطلب إعلان الحرب أكثر من هذا؟!

 

Email