عندما غابت القيم

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان يا ما كان بكوكب الأرض هناك اقتصاد قائم على القيم والإيثار ومكارم الأخلاق ، هذا قبل أن يغادر عالمنا مرحومنا العزيز سيدي القيِّم . فبعد موته خلفه ابنه السيد أرباح الذي عنده الغاية تبرر الوسيلة والقانون لا يحمي المغفلين، هذا السيد أرباح جعل اقتصادنا يتصف بالأنانية و عالمنا بالمادية.

أصبح اليوم الكل لا يفكر في مساحة أكبر من جيبه ولا يرقى بفكره أبعد من محفظته، فتجد اليوم النظام الاقتصادي جعلك تعيش ضحية هذا الفكر. فنأكل الدجاج بالهرمونات، والفواكه بالكيماوي ولم ينته هنا الموضوع لا بل أصبح ما كان يزرع قديما طبيعيا وتشتريه بسعر عادي يسمى اليوم أورجانج وبسعر مرتفع جداً من فواكه ومنتجات أخرى!!!؟.

أما الأبقار المسكينة فقد شاهدت على يوتيوب مصنعا لعمل البورجر تحمل البقرة كما هي دون ذبح وترمى في آلة الفرم حية وتطحن دون ذبح أو إخراج ما في أمعائها وهي تصرخ وتفرم، يا ترى لو انطق الله تعالى هذه البقرة ماذا قالت لصاحب هذا المصنع الذي ليس لديه وقت سوى للأرباح.

اليوم لم يكتف صناع السيارات في تغير شكل السيارة فقط، بل أصبحوا يتسابقون لزيادة سرعة عداد السيارات، طبعا فيشتري الشخص نعشه الطائر.

وتجد دول أوروبية تقوم بإلقاء أطنان من التفاح في البحر حتى لا ينخفض معدل سعر الشراء لهذه السلعة!!! هل فكروا في المجاعات أو الفقراء؟! فلا يوجد مبرر لكل هذا غير سباق الأرباح الذي جعل الجميع خارج ميزان العقل.

مثل آخر على ما هو خارج ميزان العقل هناك نظرية اقتصادية تقول إن التزايد في التعداد البشري بكوكب الارض يجعلنا في حالة من عدم كفاية الموارد، لهذا يجب أن تكون هناك حروب و مجاعات حتى يتمكن البقية من العيش في ظل الموارد الاقتصادية المتاحة في الكرة الأرضية بين قوسين أقول لصاحب هذه النظرية تدبر قوله تعالى: { وَقَالَتِ لْيَهُودُ يَدُ للَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ} قال عِكْرمة: إنما قال هذا فنْحَاص بن عازُوراء لعنه الله وأصحابه، وكان لهم أموال فلما كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم قَلّ مالهُم؛ فقالوا: إن الله بخيل، ويد الله مقبوضة عنا في العطاء.

هكذا عندما تتشوه العقول و تنتكس الفطرة تنقلب الموازين، فتصبح مصائب قوم عند قوم فوائد، والنفاق سيد الأخلاق والتجارة شطارة، رحم الله زمان كانت فيه التجارة أمانة وكانت سمعة التاجر هي رأس المال الحقيقي.

أين هم اليوم أشباه الذين مدحهم الله جل جلاله بقوله { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } في الترمذي عن أبي هريرة: أن رجلاً بات به ضيف فلم يكن عنده إلا قوته وقوت صبيانه؛ فقال لامرأته: نَوِّمي الصِّبية وأطفئي السراج وقَرّبي للضيف ما عندك. وفي رواية فلما أصبح غدا عليهما النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «قد عجِبَ الله ـ عز وجل ـ من صنيعكما بضيفكما الليلة» ".

أما الاقتصاد اليوم علمنا شح النفس المؤدي إلى تحقيق هدفه الذهبي الربح، واذكر قصة رواها شيخ المفسرين القرطبي هي قال أبو الهَيّاج الأسدي: رأيت رجلا في الطّواف يدعو: اللهم قِني شُحَّ نفسي. فقلت له: لا تزيد على ذلك شيئاً ؟ فقال: إذا وقيت شُحّ نفسي لم أسرق ولم أزْنِ ولم أفعل..فإذا الرجل عبد الرحمن بن عَوْف. قلت: يدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم:

" اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشّح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سَفَكوا دماءهم واستحلُّوا محارمهم ". و قال كِسرى لأصحابه: أي شيء أضرّ بابن آدم؟ قالوا: الفقر. فقال كِسرى: الشح أضرّ من الفقر؛ لأن الفقير إذا وجد شبع، والشحيح إذا وجد لم يشبع أبداً.

جنون الأرباح لم ينته تأثيره في الاقتصاد والقيم وعالمنا الخارجي فقط ، بل دخل داخل أجسامنا. أذكر حوارا مع أحد كبار الأطباء المتخصصين في الجراحة، عن مرض سببه لنا نظامنا الاقتصادي الذي نعيشه بداية بمافيا الأدوية وتجارة الأمراض إلى مرض له علاقة مباشرة بالاقتصاد الحديث هو مرض السرطان.

يحكي صديقي الدكتور قائلا أول ما تخرجنا في بداية الثمانينات إذا سمعنا عن حالة سرطان واحدة نتسارع إليها حتى نكون نحن الأطباء المعالجين لهذه الحالة النادرة، أما اليوم إذا لم تدخل حالة سرطان نكون في اندهاش. فكان جوابي له رحم الله فقيد كوكب الأرض الغالي المبجل صاحب الفضيلة سيدي القِيم ، فعندما غاب عرفنا قيمته الغالية والمانعة.

ختاما أنتهي بتعريف القِيم وأنواعها حتى لا يعلق المذيع المبدع أخونا عبدالله إسماعيل في برنامجه يعتمد متسائلا عن معنى القيم؛ فهي عبارة عن أحكام عقلية انفعالية توجهنا نحو رغباتنا واتجاهاتنا .. يكتسبها ويتعلمها ويتشربها الفرد من المجتمع وتصبح هى محركا لسلوكه، و للقيم أنواع عديدة منها القيمة النظرية والسياسية والاقتصادية والجمالية والاجتماعية والدينية وغيرها.

Email