حضريون «بالشكل بس»

ت + ت - الحجم الطبيعي

تقول بحسرة: "حنا بنات البدو مظلومين واجد" (كثيراً)، والسبب في ذلك كما تبين هو: "زواج بنت العم من ولد عمها، والله فلانه حق فلان من وحنا أطفال، ما لهم شغل في اعتبارات ثانية". أما "سالفة طلاقي من زوجي" فيعود إلى "اعتراضي على وضعنا مع الحمولة، قلت له ما تحس هذه موعيشة؟!

 وبين أخذ ورد في الكلام، قال وهو معصب: طلعي وتجيك ورقتك". وتضيف تلك المطلقة الكويتية الشابة متسائلة: "شقولك بأن زوجي دارس ومتنور، وبصراحة كأنه حضري، إلا إنه بالشكل بس... أما تفكيره فما زال بدوي متحجر"!

تلك صورة حية من واحدة من حالات الطلاق التي يسردها لنا أستاذنا الدكتور فهد الثاقب أطال الله في عمره بلسان راوياتها في كتابه الشيق الموسوم بـ"المطلقة الكويتية"، يستخدم فيها منهج "دراسة الحالة" الذي هو الأقرب إلى فهم الجمهور الواسع من الطلبة والقراء العامين، لما يعكسه من نبض الحياة .

كما هي على أرض الواقع. وهذا النوع يختلف عن الدراسات المسحية التي دأب الثاقب على الأخذ بها منذ أكثر من ثلاثة عقود، والتي تمتلئ بالإحصائيات والأرقام والمصطلحات العلمية. فالدراسات المسحية، وإن كانت "تتسم بالشمول وتكون أكثر تمثيلاً لمجتمع الدراسة كما يقول إلا إنها لا تشد انتباه المجتمع الأوسع إلى فهم تلك الظاهرة".

ولقد بدأنا بتلك القصة المأساوية، لأن الزواج من الأقارب ما زال هو الزواج الرائج في المجتمع الكويتي، رغم التقدم في مضامير التعليم والعمل. ولعل أكثر أشكال زواج الأقارب شيوعاً في المجتمع العربي، هو زواج ابن العم من بنت العم، حيث تقرر العادات أن بنت العم لابن عمها، وهو له حق "التحجير" عليها (أي منعها من الزواج)، إن هي لم ترض بالزواج منه. ولا أعلم مدى انتشار هذه الظاهرة حالياً، والتي يورد الثاقب بعضاً من حالاتها.

ولأن غالبية حالات الزواج هي من الأقارب، فإن نسبة كبيرة من حالات الطلاق هي أيضاً تقع في هذه الفئة. ولا شك أن زيادة حالات الطلاق بين الأقارب تشير إلى التغير الاجتماعي الجاري في المجتمع الكويتي، حيث إن مثل هذا النوع من الطلاق كان نادر الحدوث في ما مضى، لأنه كان يهدد وحدة وتماسك الجماعة.

شكل آخر من أشكال الطلاق أخذ ينتشر منذ ما يقارب أكثر من ثلاثة عقود في المجتمع الكويتي، تعبر عنه الحالة التي تقول: "آخر مرة جاني وقال لي تبين تردين ولا أطلقك، قلت له أبي بيت، قال ما عندي بيت". إنها حالة الفردية والخصوصية التي بدأت تصبح جزءاً من قيم المجتمع، والتي تعبر عنها "الأسرة النووية".

حيث يعيش الزوجان مستقلان عن "بيت الحمولة" الذي لم يعد قائماً من الناحية الواقعية. أما الذين تضطرهم الظروف، ومنها العادات والتقاليد عند البعض في السكن في بيت العائلة، فهم سيرون المناكفات بين الحماة وكَنَّتِها، بما يذكرهم بمسرحيات ماري منيب رحمها الله. ويشير الدكتور فهد الثاقب، إلى أن هذا الشكل "الدخيل" يمثل 10% من أسباب الطلاق.

ويعتبر تعدد الزوجات سبباً أساسياً للطلاق، وإن كان هذا الشكل من الزواج أصبح منحسراً ولا يمثل إلا حالات قليلة في المجتمع.

بالطبع، تغير قيم المجتمع ونظرة المرأة إلى ذاتها ورفضها "للشريكة" أو "الضرة"، هي وراء حالات الطلاق بسبب التعدد، والتي تمثل عشر حالات الطلاق تقريباً. ويورد الثاقب حالات لهذا الشكل من الطلاق، والتي في بعضها يتم الطلاق بالخلع، وفيها تخسر المرأة المؤخر، وربما تخضع لشروط صعبة أخرى.

وأخيراً وليس آخراً، أن هذه ليست كل أسباب الطلاق التي أوردها أستاذنا الدكتور فهد الثاقب في كتابه المليء بالحياة، لكننا آثرنا اختيارها لأنها تدل على وعي جديد في المجتمع بشكل عام، ولدى المرأة بشكل خاص. وكما قالت إحداهن: "الطلاق شيء رهيب لا يحس به إلا الذي يعيش فيه ويحترق بناره".

 

Email