منتدى الاقتصاد العربي ومأزق لبنان

ت + ت - الحجم الطبيعي

خلال يومي 9 و10 مايو 2013 عقد "منتدى الاقتصاد العربي" دورته الحادية والعشرين في بيروت، بمشاركة ما يقارب الستمائة مندوب يمثلون ثلاثا وعشرين دولة.

تضمن جدول أعمال المنتدى قضايا بارزة، منها: التحديات الجيوسياسية والاقتصادية التي تعيق جذب الاستثمارات إلى المنطقة العربية، وفرص استغلال النفط والغاز في لبنان وشرق المتوسط، والصناعة المصرفية العربية وسبل مواكبتها للمتغيرات الإقليمية والدولية.

أكدت خطب الافتتاح على رغبة رجال الأعمال العرب في تعزيز التنسيق الاقتصادي بين جميع الدول العربية، وطالبوا الحكومات بتحفيز نشاط الشركات الاقتصادية والقطاع الخاص، ونبهوا إلى أن فرص الاستثمار كبيرة ومتنوعة في جميع الدول العربية، لكن توظيف الاستثمارات فيها رهن بتعزيز ثقة المستثمر العربي ليساعد على تعزيز ثقة المواطن العربي بمستقبله. وتقدم الدول العربية فرصا كبيرة للمستثمرين العرب والأجانب، ومن خلال الترويج الجيد تزداد نسب الاستثمار في الفرص المتاحة.

بيد أن كلمة وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة، الأمينة التنفيذية للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، أبرزت حال الاقتصادات العربية في المرحلة الراهنة، وتباطؤ النمو، وضعف الاستثمار وعجز الموازنات العامة، إضافة إلى تزايد أعباء الدين العام، ونسب الفقر والبطالة والأمية والجريمة والمخدرات والتصحر.

ونظرا لانعقاد المنتدى في لبنان، حظيت أزمة الاقتصاد اللبناني بكلمات عدة. فانبرى نجيب ميقاتي، رئيس حكومة تصريف الأعمال، للدفاع عن منجزات حكومته الاقتصادية والاجتماعية والمالية، وتحدث عن سياسة النأي بالنفس التي اعتمدتها حكومته لحماية لبنان من انعكاسات الأزمة السورية. لكن تلك السياسة لم تحقق أهدافها، بل أدخلت لبنان في عمق الأزمة السورية، وما زالت تهدد أمنه واستقراره.

وبصفته رجل أعمال من الطراز الأول، نوه الميقاتي بقدرة القطاع الخاص في لبنان على التأقلم مع المعوقات الكثيرة ومتابعة مسيرة النمو، رغم التحديات المستجدة الناجمة عن الأزمات الإقليمية والسياسية المتتالية.

وطالب بإطلاق العنان لجميع الطاقات اللبنانية، لكي تجعل لبنان بلد الاستثمارات وليس بلد الفرص الضائعة، وأبدى تفاؤله بالاقتصاد اللبناني الذي تعرض مؤقتا لفترة من الركود، في ظل تأزم الأوضاع الداخلية والإقليمية.

أما تفعيل الدينامية الاقتصادية في نظره، فيهدف إلى تحقيق المشروع الاقتصادي الاجتماعي المتكامل، الذي أعدته وزارته لمعالجة الفساد المستشري، والهدر المالي، والاستغلال السياسي للمرافق العامة، ووضع ضوابط أساسية للمالية العامة، عبر تحديد سقف للدين العام والعجز، ومعالجة البنى التحتية، عبر تعديل أو إصدار مشاريع قوانين مختصة، ومعالجة القضايا الاجتماعية والتربوية، وفتح المجال للقطاع الخاص للمساهمة وإنتاج الخدمات العامة.

والسؤال الأساسي هنا: ماذا فعل الميقاتي وغيره من رؤساء الحكومات السابقين لمعالجة تلك الأزمات البنيوية المتراكمة منذ عقود طويلة، والتي أدت إلى ضرب القوى المنتجة وإفقار الطبقات الوسطى، وزيادة حجم الطبقات الفقيرة بصورة مرعبة؟ فهل استمرار الاقتصاد الريعي القائم على المضاربات العقارية، والتهرب من الضريبة، والهيمنة على أملاك الدولة، والإثراء غير المشروع، ورفض تطبيق قانون "من أين لك هذا؟" وكثير غيرها، تشكل إنجازات تفاخر بها القوى السياسية ورؤساء الاتحادات الاقتصادية وأصحاب المصارف في لبنان؟

بدوره، أكد حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، على استقرار الوضع النقدي في لبنان، وأن موجودات العملات الأجنبية فيه تجاوزت الستة وثلاثين مليار دولار.

ونوه بقرار المصرف المركزي الذي ترك الحرية للسوق في تحديد الفوائد، لضمان استقرارها وتفادي انعكاساتها السلبية على القطاعين العام والخاص، وبشكل خاص على القروض السكنية.

وإلى جانب ارتفاع الودائع بالعملات الأجنبية لدى القطاع المصرفي، وتعزيز نوعية موجوداته بالعملات الأجنبية، وبيع سندات الخزينة، طالب بفرض رقابة صارمة على الأسواق لضبط التضخم عند حدود 4%، ووصفها بالتدابير الإيجابية التي تساعد على إبقاء الرساميل في لبنان بدل أن تخرج منه، لأن المصارف اللبنانية تتمتع بملاءة عالية تتجاوز 10%، في حين أن تلك الملاءة لا تصل 7% في كثير من الدول.

وطالب المسؤولون السياسيون وقيادات القطاعات المالية والاقتصادية في لبنان، بالحفاظ على الأمن والاستقرار، وتنفيذ إصلاحات مالية وإدارية وحكومية لا تستطيع المصارف اللبنانية بدونها إنجاز مهماتها ودرء المخاطر عن ودائعها، وتحفيز النمو الاقتصادي في مختلف القطاعات.

ودعوا الحكومة إلى تطبيق خطط مدروسة لإصلاح البنى التحتية، وتحسين بيئة الأعمال وظروف سوق العمل، وربط عملية رفع الأجور بالإنتاجية، واعتماد إجراءات حمائية من تداعيات الأزمة السياسية على الاقتصاد اللبناني، وتحقيق معدلات نمو مرتفعة تطمئن المستثمرين العرب والأجانب، وتشجعهم على الاستثمار في لبنان.

وبدا الجميع منشغلين بثروة نفطية موعودة، أنجزت الحكومة اللبنانية خطة متكاملة لتطبيقها بعد وضع النصوص القانونية اللازمة، ونشرت دعايات واسعة تبشر بقرب تحويل لبنان إلى بلد نفطي، وتدغدغ آمال اللبنانيين بربيع دائم لاقتصاد السمسرة والخدمات.

ختاما، كانت الأمينة التنفيذية للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، أكثر دقة في التنبه لمخاطر الأزمات الاقتصادية على امتداد العالم العربي. فالاقتصاد الريعي القائم على مداخيل النفط والغاز، والسمسرة، والمضاربات العقارية، واستغلال النفوذ، هو بطبيعته مولد للأزمات، ويهمش قوى الإنتاج الحقيقية، ويخضعها لمزيد من الإفقار والتجهيل والبطالة.

والمطلوب بناء اقتصاد الإنتاج والمعرفة، القائم على توظيف القوى المنتجة، خاصة الشابة المتعلمة، في مختلف قطاعات الإنتاج. لكن غالبية المسؤولين العرب، ورؤساء الاتحادات والمصارف المعنية بالشأن الاقتصادي، ما زالوا يدافعون بشراسة عن نظم اقتصادية ريعية، فجرت أزمات اقتصادية واجتماعية متلاحقة في أكثر من بلد عربي.

Email