«بن لادن» مازال حياً

ت + ت - الحجم الطبيعي

شيء مثير حقاً ويدعو للدهشة أو حتى الجنون: كيف يرفع مسلمون شعار "كلنا أسامة بن لادن"، وماذا يعنون بهذا العبارة وقد مات الرجل من سنوات وشبع موتاً؟! هذا حدث في مصر قبل أيام، صحيح أن المصريين في حالة ارتباك واضطراب وتوتر شديد، بعد أن تحولت الثورة من حلم إلى كابوس، ومن جسر ممتد إلى مستقبل لامع إلى طريق ترابي نحو ماض معتم، وانحرفت أهدافها من تغيير حياتهم إلى الأفضل إلى مجرد وصول جماعة الإخوان إلى السلطة، لكن أن يصل ارتباك البعض إلى هذا الخلط بين الصحيح وغير الصحيح فهو أمر مخيف!

وكانت جماعة من الجهاديين والسلفيين قد هجموا على البوابة الرئيسية لجهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقاً) في مدينة نصر بالقاهرة، وكسروها، ورسموا عليها علم إسرائيل وكتبوا "كلنا أسامة بن لادن".

وفي الحقيقة لا نعرف ما هي علاقة أسامة بن لادن بإسرائيل، فحسب علم كل من هو على ظهر الكرة الأرضية لم يرفع أسامة بن لادن سلاحاً في وجه إسرائيل، ولا حتى بندقية خشبية، إلا إذا كانت التهديدات التي كان يطلقها وقت أن كان حياً وهارباً من القوات الأمريكية في جبال أفغانستان الوعرة ضد إسرائيل والإمبريالية العالمية تعد "جهاداً"!

والسؤال: ما الذي فكر هؤلاء الجهاديون والسلفيون بأسامة بن لادن؟ هل ينوون السير على دربه؟ ألم يقرأوا ما كُتب عن أسرار الجهاد في أفغانستان ضد القوات السوفييتية ودور المخابرات الأمريكية في هذا الجهاد؟!

أخرجت المطابع عشرات الكتب بالتفاصيل والوقائع والمستندات وبلغات مختلفة منها العربية، وكلها تثبت أن بن لادن كان مجرد أداة، وحين انتهى دورها تلاشى. وربما قبل إعلان إدارة الرئيس أوباما عن قتله بسنوات!

لكن بعض المسلمين يصرون على "بعثه" من جديد وإعادته للحياة.

والسؤال: هل العالم الإسلامي في حاجة إلى مخاصمة العصر والعودة إلى الماضي وتدبير عمليات التفجير، أم في حاجة إلى التعليم الحديث والتفكير المنظم ومصالحة العصر وإصلاح نظمه السياسية لتنتشله من مستنقع التخلف الذي يسبح فيه منذ أكثر من ستة قرون؟ هل إمساك بندقية داخل كهف جبلي أو التدريب على صناعة المتفجرات أو ارتكاب مجزرة في بوسطن أو لندن أو مدريد أو الإسكندرية أو بغداد أو الجزائر أهم وأجدى من قراءة كتاب أو بناء مدرسة أو تعليم فتاة أو محو أمية جاهل، أو العمل علي تأسيس مجتمعات مدنية حديثة، أو علاج سقماء الجسد والعقل؟

في عصور الانحطاط يتمسك الناس بمظاهر الحياة ولا يهتمون كثيرا بجوهرها، فتتراجع قيم العمل والاجتهاد والمثابرة والإصلاح والتقدم، وتختفي الحقائق والمعلومات وتنتشر الأكاذيب والشائعات، تنتكس الثقافة والفنون الرفيعة وترتفع أعلام الموروثات والخرافات الشعبية المتخلفة، ينحسر الجمال والعدل ويتوحش القبح والظلم، ينهمك الناس في صغائر الأشياء والتافه من الأمور.

وقد نذكر في هذا المقام عبارة الإمام محمد عبده شيخ الجامع الأزهر حين عاد من الغرب في أوائل القرن العشرين: "لقد وجدت إسلاماً دون مسلمين.. وفي بلادنا مسلمون بلا إسلام"، أي وجد في الغرب الصدق والأمانة وإتقان العمل والنظام وطلب العلم ولو في الصين والاجتهاد وعدم التبرع بإيذاء الآخرين والتفتح على الحياة ونبذ التعصب. وهذا لا يعني مطلقاً أن هذه المجتمعات خالية من الكذابين والفهلوية والمتعصبين والجهلة والأغبياء، لكنهم على هامش الحياة ولا يمثلون الشريحة الأكبر.

وهي مقولة مدهشة تلخص جوهر الأزمة التي انحشر فيها العالم الإسلامي، وهي التمسك بشكل الدين دون جوهره. بشكل الإيمان دون العمل به. ودعوني أرو لكم هذه الحكاية البسيطة!

أسكن بجوار مسجد من الذي تتردد إليه جماعات من أصحاب اللحى الطويلة والجلاليب الباكستانية والنقاب الأسود، وبالرغم من أن الجامع يطل على طريق رئيسي، فهم لا يتحرجون من إغلاقه، سواء بركن السيارات أو فرش البضائع من عطور شرقية وأزياء يصفونها بأنها إسلامية وكتب دينية أغلبها عن عذاب القبر وأشرطة كاسيت تتوعد الغافلين بنار جهنم وبئس المصير، وذات مرة قلت لواحد منهم: إماطة الأذى عن الطريق صدقة.. وأنتم تقطعون الطريق. فرد علي متجهماً: هل تريد منعنا من الصلاة؟ تستطيع أن تذهب من شارع آخر!

قلت: قد يكون هناك مريض في حالة خطيرة، أو أن حريقا شبّ في بيت، والثانية وليس الدقيقة تفرق بين الحياة والموت. فرد في يقين والتجهم يأكل وجهه: لا يصيبنا إلا ما كتب الله لنا. هذا هو العقل الضعيف سبب التخلف، والإيمان الشكلي سبب التعصب.

ولو استعرضنا مظاهر حياة المسلمين من أول باكستان إلى المغرب، لعثرنا على عشرات التفاصيل المشابهة، وقد نهتم بأحوال كل المسلمين، ولكن ما يعنينا أولاً هو عالمنا العربي، فهل نجلس ونفكر: كيف نتخلص من أفكار قديمة ترى في الماضي كل الخلاص، مع أن الحياة منذ خلقها الله حركة إلى الأمام لا تتوقف؟! وكيف نقفز إلى التقدم دون أن يطلب بعضنا عودة أسامة بن لادن؟!

 

Email