صعوبات أمام المشروع الأميركي الروسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

أعلن جون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة وسيرغي لافروف وزير خارجية روسيا، في مؤتمر صحفي مشترك الأسبوع الماضي، عقداه في موسكو، اتفاقهما على مشروع لحل الأزمة السورية، خلاصته عقد مؤتمر نهاية الشهر الحالي يشارك فيه النظام السياسي السوري.

والمعارضة، ودول مؤثرة (يفترض أن منها السعودية، ومصر، وتركيا، وإيران وممثلاً عن الاتحاد الأوربي)، إضافة إلى الولايات المتحدة وروسيا، من مهماته تشكيل حكومة مشتركة من السلطة والمعارضة لها صلاحيات واسعة، في ضوء مقررات مؤتمر جنيف (يونيو 2012).

وهذا كفيل بحل الأزمة التي تجاوزت مدتها العامين، سقط خلالهما أكثر من مائة ألف قتيل، وضعفهم من الجرحى والمعتقلين والمعاقين، وتشرد ملايين النازحين واللاجئين، وتم تهديم 800 ألف منزل، إضافة إلى تنامي خطر انتقال النار السورية إلى دول الجوار.

وربما كان هذا السبب، أي الخوف من انتقال العدوى إلى دول المنطقة، أحد أهم الأسباب التي حرضت القطبين الكبيرين على الوصول إلى هذا الاتفاق. والملاحظ أن التفاؤل والثقة والحزم، كانت مؤشرات واضحة على تصريحات الوزيرين، مما يوحي بأنهما متفائلان بالوصول إلى حل، وأن موقف كل منهما أكثر جدية من أي وقت مضى.

طال أمد الصراع الداخلي السوري المسلح، وأدى إلى نتائج كارثية على الشعب السوري في كل مجال، وانتقل حل الأزمة ـ لسوء الحظ ـ من الداخل إلى الخارج، بعد أن حولها النظام إلى صراع مسلح، ولم يعد الداخل السوري هو العامل الفعال في الحل، وتهمشت أطراف سورية عديدة، ولم تعد لها صلاحية فعلية في حل الأزمة، وفي الوقت نفسه، استسهل القطبان الكبيران ومن وراءهما، اتخاذ قرارات مفترضين أنها ستكون العلاج الشافي لما يجري في سوريا.

والأمر في الواقع أكثر تعقيداً مما يظنان، ولذلك يرى السوريون، المتفائلون منهم والمتشائمون، صعوبات عديدة جداً أمام مشروع الحل المتفق عليه في موسكو، أكثر مما يرى صاحبا المشروع.على رأس هذه الصعوبات، وربما أخطرها، رفض كل من الطرفين للطرف الآخر، مع أنه من المفترض ـ حسب مشروع الحل ـ أن يشكلا حكومة واحدة، ذلك أن النظام السياسي السوري، يرفض رفضاً باتاً الحوار مع بعض أطراف المعارضة الخارجية.

ويعتبر قادتها عملاء للخارج، كما يصر على إدخال ما تسمى "المعارضة" الموالية له (وهي في الواقع موالية وشريكة في الحكومة)، طرفاً فعالاً في وفد المعارضة المفاوض، على أمل أن يفجر هذا الوفد في الوقت الذي يريده. ومن جهة أخرى يرفض معظم أطراف المعارضة التفاوض قبل تنحي الرئيس، وتصر كذلك على تنحية كل من ساهم في القتل والجرائم.

سواء مباشرة أم بشكل غير مباشر، تنحية كلية، ولا توافق على الجلوس مع أي منهم في جلسة حوار. ومن المعلوم أن هؤلاء (المرفوضين) هم قادة أجهزة الأمن وقوات الجيش، ولن يقبل النظام تنحيتهم عن المفاوضات ولا عن اتخاذ القرار (خاصة وأنهم أصحاب القرار الفعليون الآن).

وفي ضوء ذلك تبرز صعوبة كبيرة جداً، وهي أن النظام السياسي يرفض رفضاً كاملاً لا لبس فيه، أن يتخلى الرئيس عن قيادة الجيش وأجهزة الأمن خلال المرحلة الانتقالية، لأن ذلك معناه التخلي عن السلطة، وتسليمها للحكومة المؤقتة، كما أن قادة الجيش وأجهزة الأمن يرفضون من طرفهم رفضاً تاماً، أن تأمرهم مثل هذه الحكومة. وتبدو هذه الصعوبة، للوهلة الأولى، عاتية على الحل ومستعصية.

تبرز صعوبة أخرى، ليست قليلة الأهمية أيضاً، وهي أن النظام السياسي السوري يصر على أن يتم الرئيس مدة ولايته الحالية، أي حتى عام 2014.

وأن يكون له الحق بعدها أن يترشح لولاية ثالثة، انطلاقاً من مقولة حقه كمواطن في أن يترشح أو لا يترشح، بينما ترى المعارضة ضرورة تنحية الرئيس جانباً منذ البدء، وتصر على استحالة قبول ترشيحه لولاية جديدة، وتقول إن من أوقع بشعبه كل هذه المصائب لا يحق له أن يكون رئيساً.

هناك صعوبات عديدة جداً مرشحة كي تكون مواضيع خلافات، منها كيف يمكن اعتبار كل من قُتل من الطرفين شهيداً؟ وما هو مصير الجيش الحر، ومصير ضباط الجيش النظامي الذين شاركوا في القتل والتدمير؟ وكيف يمكن التعويض عن الخسائر، وخاصة عن الشهداء والبيوت المدمرة؟. وقبل ذلك، ما هي بنية النظام المقبل؟ تساؤلات كثيرة، هي في الواقع قضايا هامة ستكون مطروحة على الحكومة الائتلافية العتيدة.

إن مواجهة هذه الصعوبات، ربما كانت تقتضي إصدار قرار ملزم عن مجلس الأمن، بضمانة الدول الكبرى، قرار يتضمن تفاصيل الحل والمراحل المقترحة لتنفيذه، والمكلفين بالتنفيذ، بحيث يضطر كل من الطرفين المتفاوضين للقبول مرغماً بحل وسط. وإلا ستعود المشكلة إلى نقطة الصفر من جديد، لأنه من المشكوك فيه قدرة صاحبي المشروع على إلزام الجميع بقبوله، دون قرار أممي ملزم..

 

Email