«تكفى دكتور نجحني»

ت + ت - الحجم الطبيعي

في أيام الامتحانات الجامعية التي نمر بها حالياً، يكثر تردد الطلبة على مكاتب أساتذتهم، قبل الامتحانات وبعد ظهور نتائجها. أما سؤال الكثير منهم قبل الامتحانات، فهو عرض حالهم وطلب المساعدة، ليصل الحد ببعضهم إلى ما يشبه الاستجداء بترديدهم لعبارة: "تكفى يا دكتور نجحني"، و"تكفى" باللهجة الخليجية تعني رجاء، والعبارة لو حولناها إلى اللهجة المصرية، أكثر اللهجات العربية شيوعاً بين أبناء الضاد، فستأتي على شكل: "والنبي يا دكتُر تنجحني".

والدكتور هو مربٍ قبل أن يكون أستاذاً، وهو أب حنون قبل أن يكون موظفاً في مؤسسة تعليمية عليا. ولذلك، ندر أن يحجم أستاذ عن مد يد العون لطلبته، إذا رأى أن تلك المساعدة مجدية في دفع الطالب إلى الأمام وتشجيعه على البذل والعطاء. فالأستاذ كمربٍّ وكأب، ينظر في مصلحة طلبته الذين هم بمنزلة أبنائه، ينظر إليهم بمنظار تحقيق مصلحتهم في التعلم واكتساب المهارات والمعارف، وبالتالي فهو في مثل هذه المواقف يمشي على خيط رفيع بين أن يرشد طلبته إلى "التوكل"، أو يدفعهم من غير قصد إلى "التواكل".

لكن ما نجده في جامعة الكويت، التي أقوم بالتدريس فيها منذ مدة طويلة من الزمن، وعلى وجه الخصوص في كلياتها النظرية (وربما صدق ذلك على الجامعات العربية الأخرى)، أن الكثير من طلبتنا باتوا يعتمدون على "كرم" الدكتور، أكثر من اعتمادهم على مذاكرتهم الشخصية! يظهر ذلك جلياً في إقبال الطلبة على التسجيل في مقررات الأساتذة الذين يعتبرهم الطلبة متساهلين في توزيع الدرجات، مستفيدين من نظام المقررات الذي يسمح للطالب بأن يختار المادة وأستاذها والأوقات.

ويظهر هذا المؤشر واضحاً في تقييم الطلبة لأساتذتهم، وهو نظام تتبعه جامعة الكويت تحت مسمى "التقييم والقياس" لمادتين من المواد التي يدرسها الأستاذ، وتعرض نتائجه على الأستاذ لا حقاً كي يستفيد منها في معرفة رأي الطلبة فيه، وبمستوى تدريسه وإتقانه للمادة والتزامه بالحضور وغيرها. ولعل أكثر ما يتبرم منه الطلبة (وهنا أتكلم بناءً على خبرة طويلة)، هو "بخل" الدكتور في درجاته و"تقتيره" في توزيعها عليهم، وربما صعوبة امتحاناته!

ويظهر عدم جدية الكثير من مثل هذه الآراء، لو قارنها بما يقوله الطلبة وما يكتبونه من تعليقات في آخر هذا التقييم. فكثيراً ما شاهدت ضجراً من بعض الطلبة، لأن "الدكتور لا يغيب أبداً عن محاضراته"! وهو رأي عجيب لا يصدقه المرء حتى يراه مسطراً بأم عينه! أو كأن يختار الطالب تلك الخانات التي تشير إلى أن الأستاذ ملتزم ويتقن مادته ويبسطها بشكل سلس وواضح، ثم يأتي تقييم الطالب له بأن مستواه "عادي" أو "مقبول"، وليس "جيداً" أو "ممتازاً" كما تقتضي إجاباته السابقة!

ويبدو أن الكثير من أبنائنا الطلبة في جامعة الكويت، وبالذات في كليتنا وهي العلوم الاجتماعية، باتوا ينظرون إلى أستاذتهم كنظرتهم إلى الدولة، فالأخيرة تتكفل بكل نواحي حياتهم بالمجان، وتضع في جيوبهم في آخر الشهر مائتي دينار، يستوي في ذلك المبرز منهم ومن ينجح بعطف الأساتذة ومساعداتهم، وينظر الكثير من هؤلاء إلى الأستاذ نظرتهم إلى الدولة، ويتوقعون منه "السخاء" و"الكرم"!

لا نلقي كل اللوم على مثل هؤلاء الطلبة، وهم بالمناسبة لا يمثلون كل الطلبة بل عدداً لا بأس به منهم، فلو خليت لخربت، بل وأيضاً نلقيه على المجتمع وضغوطاته، فالأستاذ الجامعي لا يعيش في جزيرة معزولة عن محيطه الاجتماعي. ثم هناك من الأساتذة من يريدون "الوجاهة" و"كسب الشعبية"، إما لأهداف اجتماعية بحتة أو لأهداف سياسية، وأبرزها الترشح للفوز بمقعد في مجلس الأمة، فيكون "كرم توزيع الدرجات" هنا وسيلة لكسب أصوات هؤلاء الطلبة وذويهم، خاصة من أهل الدائرة!

خلاصة القول أن رسالة الأستاذ الجامعي، إلى جانب نقل العلم، هي محاربة الممارسات الخاطئة في مجتمعه ومقاومتها، ونحمد الله أن السواد الأعظم من زملائنا يقومون بأداء رسالتهم على أكمل وجه، غير عابئين بالضغوطات الاجتماعية، ومحاربين لكل السلبيات التي أخذت تعلق بعملية التعليم الجامعي.

 

Email