المعارضة السورية المسلحة.. التعدد والتنافس

ت + ت - الحجم الطبيعي

بقيت الانتفاضة (الثورة) السورية سلمية حتى مرور ستة أشهر على انطلاقتها، وكانت السلطة طوال هذه المدة، بل ومنذ اليوم الأول، تواجهها بالرصاص الحي والعنف واعتقال نشطائها وتعذيبهم حتى الموت أحياناً، ونزل الجيش السوري للشوارع لتطبيق هذه السياسة، وقد استفزت سياسة السلطة وإجراءاتها ضباطاً وجنوداً في الجيش السوري فرفضوا المشاركة.

ثم ما لبث بعضهم أن انشق عن الجيش النظامي، وتجمع هؤلاء الضباط والجنود وشكلوا نواة لمقاومة مسلحة، وسموا أنفسهم الجيش الحر، وأخذت أعدادهم تتنامى وتكبر، وكذلك عملياتهم العسكرية، وأعلنوا أن هدفهم هو حماية المدنيين، والتحق بهم مناضلون مدنيون ممن تعرضوا للقمع والعنف، ثم انبثق عن هذا التنظيم العسكري تنظيمات عديدة، بأسماء متعددة، وقد تأثرت هذه التشكيلات العسكرية بأمرين: أولهما مساعدة دول أجنبية لبعض هذه التشكيلات وكسب ودها، ومدها بمساعدات مالية تؤهلها للاستمرار وامتلاك السلاح، إضافة إلى مشاركة بعض التنظيمات السياسية السورية في عملية إنشاء تنظيمات مسلحة أو دعمها.

وخاصة الإخوان المسلمون وبعض التيارات السياسية الإسلامية، وثانيهما أنه خارج هذا الإطار تأسس تنظيم عسكري في سوريا في فبراير عام 2012 سمى نفسه (جبهة النصرة) انتمى فيما بعد لتنظيم القاعدة، وانضم إليها مقاتلون غير سوريين، ولكن بقي عدد السوريين فيها يزيد على (90%) من تعدادها المقدر بستة آلاف مقاتل.

بلغ عدد الفصائل السورية المعارضة المسلحة (الفعّالة) أكثر من إثني عشر فصيلاً، أهمها (الجيش السوري الحر)، الذي يضم غالباً 60% من عدد المقاتلين أو أكثر قليلاً، وهو ذو توجه وطني بعيد عن التعصب الديني أو المذهبي، وأهدافه المعلنة إقامة نظام ديمقراطي مدني تعددي.

ويحاول أن تكون جميع التنظيمات الأخرى المسلحة تحت مظلته.

وقد شكل مجلساً عسكرياً أعلى بهدف أن ينضم إليه الجميع. ومن التنظيمات الأخرى (جبهة تحرير سوريا الإسلامية) وهي حصيلة اتفاق بين أربع مجموعات مسلحة على رأسها لواء الإسلام، وتنتمي إلى تيار إسلامي معتدل، و(جبهة الفاروق) وهي جبهة مستقلة غير متطرفة، وجبهة (أحرار الشام) وتضم مقاتلين سلفيين، وتهدف إلى إقامة نظام إسلامي في سوريا.

 وهناك لواء (أحفاد الرسول) وهدفه إسقاط النظام ومحاكمة المرتكبين فقط، ولا يضع من بين أهدافه إنشاء دولة إسلامية في سوريا، و(كتائب صقور الشام)، وهي من أقدم التنظيمات المقاتلة، حيث تأسست في منتصف عام 2011، وتهدف لإقامة حكم إسلامي في سوريا، لكنها تشدد على احترام حقوق الأقليات الدينية والمذهبية، وعلى التسامح معها.

أما تجمع (أنصار الإسلام) فقد تأسس في منتصف عام 2012 وهو حليف للجيش السوري الحر، ويرفع العلم الأسود للتدليل على انتمائه الإسلامي، وتتركز نشاطاته في دمشق وريفها، وأخيراً هناك (جبهة النصرة) التي أعلنت مؤخرا تبعيتها للقاعدة، وقد ظهر نشاطها للمرة الأولى في مطلع عام 2012.

باستثناء هدف إسقاط النظام، لا يجمع هذه التنظيمات العسكرية هدف آخر، سواء تعلق بأسلوب النضال أو طرق إسقاط النظام، أم الموقف من المفاوضات السياسية، أم ما يتعلق ببنية النظام المقبل لسوريا، وعلى ذلك بقي كل من هذه المجموعات المسلحة يغني على ليلاه، ويعتبر نفسه هو الجدير بتحقيق الانتصار، وتكاد هذه المجموعات تتقاسم الأرض السورية، فكل منها يعمل ضمن مساحة تكون فيها هي الأقوى والأفضل تسليحاً.

وقد عمد بعضها في المنطقة التي يتواجد فيها، إلى تشكيل إدارة محلية، وشرطة ومحاكم شرعية، وحاول بعضها الآخر فرض سلوك على الناس قرره دون استشارتهم ولا رضاهم، مما أدى في بعض الأحيان إلى صراعات مسلحة، بين هذه المجموعات، أو بين المجموعة التي أرادت فرض هذا السلوك، وبين السكان الذين رفضوا استبدال نظام قمعي بنظام قمعي آخر.

حاولت قيادة الجيش الحر، وبعض التنظيمات السياسية أن تتوصل هذه المجموعات المسلحة إلى قيادتة موحدة، وتنفذ استراتيجية وخططا عسكرية موحدة، كما ضغطت عدة أطراف على هذه المجموعات لتتوحد، ولكن لم يتحقق ذلك، وبقي تعدد هذه المجموعات قائماً وبعثرتها سائدة، سواء في العمليات العسكرية أم بالأهداف الاستراتيجية (باستثناء بعض التنسيق أو التشارك في بعض العمليات)، والأسوأ من هذا كله أن التواصل بينها وبين الفصائل السياسية يكاد يكون معدوماً، سوى أن بعضها يستمع لتمنيات الجهات الممولة له أو الداعمة.

وفي الخلاصة لم تنجح الجهود لتحقيق التوحيد بين هذه المجموعات، أو إيجاد صلة تحقق نوعاً من قبولها لقرارات الفصائل السياسية، وبقيت بذلك المعارضة السورية تشكل طرفين منفصلين تربطهما روابط واهية، دون الوصول إلى كيان له قيادة سياسية، وقيادة عسكرية تأتمر بأمرها.

وتنبغي الإشارة إلى أن عدد المقاتلين في هذه الفصائل مجتمعة، ربما يصل إلى حوالي 150 ألف مقاتل، وأن الجيش الحر هو الفصيل الأكثر تنظيماً والأقوى عسكريا، والأكثر قبولاً لقيادة السياسيين والعودة إلى ثكناته بعد انتصار الثورة، كما أنه لم يتورط بأية ارتكابات أو مخالفات كبيرة، ولذلك كسب احترام الجميع.

 

Email