وزارة الاستراتيجية

ت + ت - الحجم الطبيعي

جاءت رؤية صاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله لتؤكد على تعزيز النهج الوحدوي الذي زرعه المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وتمت ترجمة هذه الرؤية من خلال استراتيجية حكومة دولة الإمارات التي أشرف على رسمها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والتي تنص في أحد أولوياتها السبعة على ضرورة "تعزيز التنسيق والتكامل بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية".

المراقب لرحلة 41 عاماً من عمر الاتحاد سيلاحظ حجم الانجازات على المستويين الاتحادي والمحلي، والتي شملت كافة النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فمستوى الانجاز الذي تحقق، وطموحات قيادة وشعب الإمارات اللامحدودة نحو تعزيز النهج الوحدوي يضعنا أمام تحديات مستمرة نحو تعزيز التكامل وتوحيد الجهود على المستوى الداخلي.

وتسريع وتيرة ذلك التكامل للحفاظ على مستوى الانجازات التي تحققت في ظل قيادة حكومتنا الرشيدة، وسنكون أمام عدة خيارات يمكن اختزالها في مشروع استراتيجي، نابع عن تجربة واقعية لحكومة دبي قادها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.

كان التحدي الأكبر لحكومة دبي في بدايات الطفرة هو معالجة ضعف التنسيق بين المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية فيما يتعلق بتنفيذ المشاريع، نتيجة الضغط الكبير على المرافق الحكومية والبنية التحتية التي لم تكن لتتحمل ذلك التطور المتسارع في تنفيذ المشاريع الاستثمارية وخاصة العقارية منها، فجاء قرار صاحب السمو حاكم دبي بإنشاء المجلس التنفيذي لإمارة دبي لتعزيز ذلك التنسيق والتكامل بين المؤسسات الحكومية.

واستكملت حكومة دبي منظومة العمل المؤسسي من خلال إعلان استراتيجية حكومة دبي، كأول استراتيجية حكومية، والتي ساهمت بشكل كبير في تحديد أطر التنسيق والتكامل بين المؤسسات بما يخدم التوجهات الاستراتيجية لحكومة دبي.

كان سموه ولا زال متيقناً بأهمية التخطيط الاستراتيجي ودوره المحوري في استشراف المستقبل، وبناء المجتمعات وتطويرها اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، من خلال رسم رؤية واضحة للدولة تتفق مع مبادئها وقيمها المثلى، وتحدد موقعها المستقبلي الذي تطمح في الوصول إليه.

ومن ثم تحليل المتغيرات المحيطة، وتحديد الفرص واستغلالها، ورصد التهديدات والاستعداد لمواجهتها، مع تعزيز الميزات التنافسية للدولة في سبيل الحفاظ على موقعها في الصدارة.

نقل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم تجربته الناجحة والمتكاملة في دبي للحكومة الاتحادية، وكان من أول القرارات التي أصدرها سموه إعلان إطلاق استراتيجية حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي قادت بشكل غير مسبوق العمل الحكومي الاتحادي إلى رحاب التطوير والتحديث، وساهمت في علاج التداخل والازدواجية في أداء المهام، وأصبح للحكومة توجهات وأولويات استراتيجية.

يمكن استنساخ التجارب الناجحة لحكومتي أبوظبي ودبي، لبقية الامارات، من خلال استكمال منظومة العمل المؤسسي، ففي كلتا الإمارتين توجد استراتيجية حكومية محلية تقابلها استراتيجية في الحكومة الاتحادية.

كما أن لكلتا الإمارتين مجالس تنفيذية يقابلها مجلس للوزراء على المستوى الاتحادي. ومن خلال تحليل مبسط لتلك العلاقة، سنجد بأن الحكومة الاتحادية تعمل وفق استراتيجية واضحة يشرف على تنفيذها مجلس الوزراء، ولحكومتي أبوظبي ودبي استراتيجية محلية يشرف على تنفيذها مجلس تنفيذي.

وتتفاوت بقية الإمارات في درجة تطبيق نفس النهج، حيث يوجد مجالس تنفيذية في بعضها، وجاري تطوير الاستراتيجيات في بعضها الآخر كإمارتي عجمان وأم القيوين،.

وفي حال تعميم نفس الفكرة على بقية الامارات، سيكون لدينا سبعة استراتيجيات محلية منبثقة عن استراتيجية اتحادية، يتم من خلالها تحديد الأولويات وتنسيق الجهود بين مختلف الامارات، بما يضمن عدم حدوث تداخل أو ازدواجية بين الحكومات المحلية والحكومة الاتحادية من جهة أخرى.

وستعمل المجالس التنفيذية المحلية وفق نفس النهج المعتمد لدى مجلس الوزراء من خلال إدارة ومتابعة مخرجات ومؤشرات الأداء التي تم تصميمها مسبقاً لتتواءم مع أولويات وتوجهات الحكومة الاتحادية.

وسيكون الحفاظ على مستوى معين من المرونة والمنافسة مع تحديد المجالات المطلوبة للمشاركة، مطلباً ضرورياً لكل إمارة لتمكينها من استغلال الفرص المتاحة لتعزيز مواردها بما يخدم طموحات وتطلعات مواطنيها، مع وجود تحديد واضح للميزات التنافسية والمرتبطة على سبيل المثال بالموارد الطبيعية أو الموقع الجغرافي.

حيث إن التنافسية المطلقة بين الإمارات دون تحديد للميزات قد يكون لها بعض المردودات السلبية على نجاح بعض المشروعات المكررة، وهذا يتطلب نوعا من التنسيق التكاملي في المشروعات المقامة بحيث تتاح الفرص التبادلية والتكاملية في بعض المشروعات للحد من تكرارها في كل إمارة وخاصة المشروعات الإنتاجية ذات الاستثمار الكبير مراعاة لمحدودية السوق الاستهلاكية محلياً وشحة الفرص التصديرية خارجياً.

إن التعامل مع الاستراتيجيات يتطلب وجود مشاركة واسعة من قبل مختلف الجهات المعنية، سواء على المستوى المحلي أم الاتحادي، ويمكن هنا تشكيل مجلس خبراء من جميع الإمارات للإشراف على رسم وتطوير تلك الاستراتيجيات، مع إيجاد آليات واضحة لعمليات تسويق الاستراتيجيات وتنفيذها ومراقبتها بما يحقق الأهداف المرجوة منها. وبالتالي سيكون من الضروري إيجاد وزارة مستقلة للإشراف على إدارة الاستراتيجية، حيث يمكن أن يلعب هذا الدور فريق وزارة شؤون مجلس الوزراء.

توجد الكثير من الأفكار والفرص التي يمكن ترجمتها على أرض الواقع، ولكن الأهم من ذلك كله هو وجود القناعة بالتخطيط الاستراتيجي ودوره المحوري في بناء المستقبل، تماماً كما استشعر اهميته صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في إمارة دبي، ومهاتير محمد في ماليزيا. فتحققت لهما نجاحات غير مسبوقة جعلتهما علامة فارقة في تاريخ تطور الأمم.

 

Email