تستدعي التفجيرات التي جرت في مدينة بوسطن الأمريكية الأيام الماضية، طرح علامات استفهام عديدة، ربما تبدأ من هل عاد الإرهاب يضرب أمريكا من جديد؟ وصولا إلى لماذا فشلت كل الإجراءات الأمنية الأمريكية في إيقاف مثل تلك العملية الأخيرة.

والتي لا شك أن تبعاتها واستحقاقاتها الأدبية والمعنوية ليست باليسيرة، وقد كان هذا ولا شك وراء التساؤل الذي طرحه الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد القبض على المشتبه فيه الثاني: لماذا يقدم شاب عاش عشر سنوات لاجئا ودارسا في أمريكا على مثل تلك الفعلة؟

أول ما يلفت الانتباه في متابعتنا لعملية بوسطن، هو الطريقة التي تعاطت بها إدارة أوباما مع الأمر، فقد ظهر الرئيس الأمريكي على شاشات التلفزة بعد ساعات قليلة من وقوع الانفجار، متمالكا زمام نفسه، هادئا رصينا، ولم يوجه الاتهامات أو التهديدات يمينا ويسارا كما فعل جورج بوش الابن بعد أحداث 11 سبتمبر.

وإن كان هذا لا يعني أن أوباما أقل ضراوة من سابقه، فهو الذي عرفت ولايته الأولى الحروب السرية والطائرات بدون طيار، التي أدارها ولا يزال مدير مخابراته جون برينان. تستدعي الانتباه كذلك الطريقة التي تعاطت بها وسائل الإعلام الأمريكية في تغطيتها للحدث، وإشكالية "المحققين الهواة" الذين كانوا يسابقون الجهات الرسمية في إطلاق التصريحات والتوصل إلي الاستنتاجات بشأن من يقف وراء العملية.

ولعل من تابع شبكات التلفزة الأمريكية قدر له أن يرى أيضا كيف أن مقدمي البرامج في القنوات الإخبارية، أضحوا بدورهم منغمسين في التخمينات والتوقعات حول خلفيات ودوافع منفذي التفجيرات.

وبدا أن ذلك صار جزءا من عمل وسائل الإعلام العالمية، أي الضجيج المتواصل من المعلومات التي ربما لا تكون في الأساس معلومات. ولعل من الأمور الملفتة للنظر في هذه العملية كذلك، أن الإرهاب تحول من فكرة أو جماعة مركزية كالقاعدة أو الجهاد العالمي، إلي عمل ورؤية غير مركزية.

وأغلب التحليلات الأمنية الأمريكية التي صدرت حتى الساعة، لا ترى أن هناك رابطا بين الشابين الشيشانين اللذين تتهمهما أمريكا بأنهما يقفان وراء الحادث، وبين تنظيم القاعدة، بشكل مباشر، ما يعني أن الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم، باتت في مواجهة تحديات أمنية تصعب الإحاطة بها، رغم كل الإجراءات والقيود الأمنية.

تلقي تفجيرات بوسطن بعلامات استفهام أمنية يدركها أبسط رجال الأمن حول العالم، فطريق الماراثون على سبيل المثال، كان يخضع لعملية تفتيش دقيقة من قبل رجال الشرطة الأمريكيين ونظرائهم، وهم في ذلك دائما ما يستعينون بالكلاب البوليسية القادرة والمدربة على اكتشاف تلك النوعية من المتفجرات، لا سيما إذا كانت بدائية، كما أثبتت التحقيقات الأولية، فكيف أخفقت هذه المرة .

وعلى هذا النحو؟ ثم ما الذي جرى بالنسبة لقنبلة ثالثة كانت على خط المارثوان أيضا، وتردد أن فريق المتفجرات في بوسطن أبطل مفعولها، أو فجرها عن بعد، ناهيك عن الغموض الذي يلف الحريق الذي شب في مكتبه كينيدي وهل كان تفجيرا كما أعلنت وسائل إعلام أمريكية، أم ماسا كهربائيا كما قيل لاحقا؟ ولماذا في هذا التوقيت بذاته يحدث الحريق؟ هل الأمر مصادفة موضوعية أم قدرية أم مرتب لها بعناية؟

ما هو آت هو الأهم، لا سيما وأن جنسية المتهمين سوف تنقل الصراع مع الإرهاب بالمنظور الأمريكي، إلى خارج الأرض الأمريكية من جديد، وهذه المرة إلى منطقة القوقاز والشيشان وآسيا الوسطى، حيث عدد من الجمهوريات السوفيتية السابقة، ذات الملمح والملمس الإسلامي والحضور العددي الكبير.

ولعل من تابع التعاطف الروسي مع الأمريكيين بعد تفجيرات بوسطن، والاتصالات التي جرت بين بوتين وأوباما، يترسخ عنده يقين بأن تنسيقا عالي المستوى يجري على قدم وساق لمواجهة الخطر الإسلامي، كما تروج له وسائل الإعلام ذات البعد اليميني على نحو خاص، في واشنطن أو موسكو على حد سواء.

والمقطوع به أن ما جرى في بوسطن سيفتح من جديد صفحة "الإسلاموفوبيا البغيضة" وبقوة، في الداخل الأمريكي، وأول من سيتحتم عليه دفع ضريبة هذا العمل حال صدقت التهمة فعلا على الشيشانيين، هم الجاليات العربية والإسلامية في عموم أمريكا، والطلاب العرب والمسلمون في جامعات بوسطن بنوع خاص. هناك كذلك تبعة مثيرة لتفجيرات بوسطن ترتبط بما يجري في سوريا، لا تخدم الثوار هناك، بل ستصب في صالح من تراهم واشنطن معارضة معتدلة، أي الثوار من غير الجهاديين أو الإسلاميين، وهذا أمر سيعقد حل الأزمة هناك.

وتجلى ذلك عبر كثير من الأصوات الأمريكية الأصولية، من أمثال "دانيال باييس"، باتت تطالب بالإبقاء على الأسد ودفعه لمواجهة أولئك، ليجهز أحد الطرفين على الآخر. التبعة الأخيرة ربما تكون من نصيب الرئيس أوباما نفسه، الذي باتت توجه إليه تهمة مساندة أنظمة عربية شرق أوسطية إسلامية، بعدما كانت علمانية عربية أو قومية، كما في تونس ومصر وليبيا، وسيقول قائل؛ انظر ماذا يفعل المسلمون بنا. ومع إدانتنا لقتل الأبرياء في بوسطن ورفضنا لكل أشكال العنف، يبقى السؤال قائما: لماذا تفشل أمريكا في مواجهة الإرهاب؟ وهل هي شريكة، بسياساتها الأحادية حول العالم، في إذكاء نار الفتنة الأممية ضدها؟