عمل يضر بالمسلمين

ت + ت - الحجم الطبيعي

ملايين المسلمين في شتى بقاع العالم يشاطرون الرئيس أوباما تساؤله: لماذا يقدم شباب عاشوا بين ظهرانينا وتلقوا العلم في مدارسنا وأضحوا جزءاً منا، لماذا يلجأ هؤلاء إلى مثل هذا العنف؟!

حقاً إنه سؤال محير أن نرى أخوين من بلاد الشيشان التي ابتليت بحرب أهلية، يقومان بعمل إرهابي ضد أناس مسالمين من مختلف الجنسيات والألوان والأعمار والأديان، وقد تجمعوا لسباق جري في مدينة جميلة تحوي أعرق الجامعات وأفضل المستشفيات واسمها بوسطن!

لو قام هذان الشابان بمهاجمة السفارة الروسية في واشنطن أو إحدى قنصليات تلك الدولة المنتشرة في كثير من المدن الأمريكية، لكانت الدوافع واضحة.

وإن كان مثل هذا العمل محل استنكار من الجميع وأول هؤلاء كاتب هذه السطور. لكن أن يهاجم هذان الأخوان أناساً أبرياء لا ذنب لهم، وهم من المدنيين الذين لم يقاتلوا مع القوات الروسية في الشيشان، بل إن بعضهم من المسلمين، فهذا أمر تدينه كل الشرائع والأديان وعلى رأسها الدين الإسلامي الحنيف.

ثم إن الشعب الأمريكي من أكثر الشعوب تأييداً لقضية الشيشان واستقلالها، وإدانة لقمع القوات الروسية لأهلها، ناهيك عن موقف حكومتهم من تلك القضية. والحق أن ما قام به الأخوان الأمريكيان من أصل شيشاني، تامرلان وجوهر تسارناييف، من تفجير مروع في مدينة بوسطن الجميلة.

حيث قتل ثلاثة أشخاص بينهم طفل لم يكمل عشر سنوات، وجرح أكثر من مئة آخرين، ليعد نكراناً للجميل وهو بطر في النعمة، ويدل على الرعونة وقصر النظر، وهو عمل إرهابي بكل المقاييس.

أما نكران الجميل فيتمثل في أن الولايات المتحدة الأمريكية قد آوت هؤلاء ومنحت الأب اللجوء السياسي، فقد دخل هذا الأب أمريكا مع ابنه جوهر بفيزا سياحية في العام 2002، وطلب من السلطات الأمريكية منحه حق اللجوء السياسي، حيث حصل عليه هو وابنه الذي كان عندئذ في الثامنة من عمره. ثم لحقهما تامرلان فيما بعد، وتقدم العام الماضي للحصول على الجنسية الأمريكية، فقد كان أخوه جوهر حصل عليها في ذلك الوقت، وهذه المعلومات وفقاً لجريدة نيويورك تايمز (20/4).

وبغض النظر عن وجهة نظرنا في بعض سياسات الولايات المتحدة، وخاصة حول القضية الفلسطينية، إلا أنه يجب أن نقر بأن قانون جنسيتها (يسمى قانون الهجرة) يعد من أكثر قوانين العالم يسراً وسهولة، ويتم تطبيقه بروح متسامحة، ولم يتأثر ذلك التطبيق كثيراً بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وليتنا في العالم الإسلامي نحذو حذوها.

وبطر هؤلاء في النعمة يتمثل في أنهم استطاعوا أن يصيبوا نجاحاً في موطنهم الجديد، فضلاً عن أنهم كانوا يعيشون في أمن وأمان، بعيداً عن تلك الأيام المرعبة التي خبروها في الشيشان. فكلاهما قد التحق بالجامعة، غير أن الأكبر لم يكمل دراسته بمحض إرادته، وأصبح ملاكما محترفاً.

وكان متزوجاً ورزق بطفل. أما جوهر فكان تلميذاً محبوباً ومتفوقاً في مدرسة كامبريج، وبسبب تفوقه حصل على منحة دراسية، والتحق بجامعة ماساتشوستس. إذن، المستقبل كان أمامهما زاهراً، ومجتمعهما الجديد فتح أمامهما الفرص، ولم ينظر إلى ديانتهما أو أصلهما أو غير ذلك!

أما قصر النظر فيكمن في اللجوء إلى العنف وسيلة للتعبير عن الموقف السياسي، في بلد ديمقراطي يناضل فيه الملايين سلمياً دفاعاً عن مختلف القضايا، بدءاً بجماعة الدلايلاما ومناداتها بتحرير التبت واستقلالها عن الصين، إلى المدافعين عن القضية الفلسطينية، إلى المطالبين بخروج القوات الأمريكية من أفغانستان، وأنصار البيئة وغيرها العشرات، بل المئات من القضايا والجماعات التي تنادي بها، والتي يزخر بها المجتمع الأمريكي.

لكن ثمة داء عضالا اسمه التطرف الديني، ويأتي تحت مسمى "الجهاد"، ويغري بعض اليافعين من الشباب، بغض النظر عن جنسياتهم وأماكن معيشتهم. وقد أصيب الأخوان بذاك الداء، بعد أن سافر الأخ الأكبر تامرلان إلى داغستان في العام 2012 ومكث فيها ستة أشهر، ويعتقد أنه تأثر بأطروحات "إمارة القوقاز الإسلامية" المرتبطة بالقاعدة، والتي تؤمن بجهاد "الكفار" على النطاق العالمي!

إن عمل تامرلان وجوهر تسارناييف عمل إرهابي لا يمت للدين الإسلامي بصلة، وهو عمل لا يضر إلا بالمسلمين وقضاياهم العادلة، وعلى رأسها قضية فلسطين.

 

Email