ودعت بريطانيا يوم الأربعاء الماضي أول رئيسة وزراء بريطانية في تاريخها، مارجريت تاتشر، في جنازة رسمية مهيبة حضرتها ملكة بريطانيا بالإضافة إلى مدعوين من جميع أنحاء العالم. مارجريت تاتشر لم تكن امرأة عادية ولم تكن رئيسة وزراء عادية.
هكذا وصفها رئيس الوزراء ديفيد كاميرون في تأبينه للراحلة. كانت تاتشر أعظم نساء عصرها والمرأة التي قادت بريطانيا من جديد إلى منصة الدول العظمى المؤثرة في رسم سياسات العالم. كان أقل ما يمكن أن تصف حياتها بأنها قصة نجاح غير عادية تحدت الظروف الصعبة والتقاليد الموغلة في القدم.
لم يكن وصول امرأة إلى منصب رئيس الوزراء في بريطانيا بالقضية العادية في بلد تحكمه التقاليد العريقة والبرتوكولات الموغلة في القدم والدبلوماسية الذكية التي وضع أسسها قادة كبار أثروا في عصرهم تأثيراً كبيراً. ترشح امرأة للتقلد منصباً سياسياً كان تحدياً ووصولها لذلك المنصب كان التحدي الأكبر الذي قادته تاتشر أو هو قادها لتصبح أقوى سيدة في العالم.
الكثيرون لم يؤمنوا بفكرة أن تاتشر كانت تحث نساء عصرها على لعب دور أكبر في صنع القرار السياسي ولكن الجميع أجمعوا على أن تاتشر أصبحت رمزاً لكل من تحاول شق طريقها في مجال يسيطر عليه الذكور منذ القدم وحتى هذه اللحظة مع بعض الاستثناءات البسيطة.
لعبت تاتشر دوراً مؤثراً أثر كثيراً على فكرة المرأة والسياسة في العالم وأثبت خطأ فكرة عدم نجاح المرأة في السياسة بحكم أنها لعبة الرجال أولًا وبحكم أن المرأة لا تحكم عقلها بل عاطفتها ثانيا. في ذلك أثبتت تاتشر بأنها أقوى رجل في الحكومة البريطانية التي ترأستها.
وعلى الرغم من عدم تكرار ظهور امرأة قوية مثل تاتشر منذ تلك اللحظة في التاريخ البريطاني وحتى الآن الا أن ذلك لا يعنى عدم وجود امرأة قوية تتطلع مثل تاتشر لكى تؤثر في مجتمعها والعالم بطريقة مختلفة وإيجابية.
قصة النساء والسياسة في العالم قصة بها الكثير من العبر والكثير من الدروس التي يعجز كتاب التاريخ احيانا عن التكهن بطبيعة تطورها ونوعية النتائج التي تنتج عنها، ولكن شيء واحد مؤكد ومعروف ولا غبار عليه الا وهو حق الأنثى في التأثير على القرار الحياتي العام في مجمله بما فيه السياسة.
هذا التصور يقودنا لدراسة دور المرأة في مجتمعنا والتكهن بطبيعة دورها المتوقع والمأمول خاصة وأننا نعيش في مجتمعات لا زالت غير مهيأة نسبيا لتقبل ممارسة المرأة لدور في الحياة العامة ناهيك عن السياسة.
المرأة في مجتمعات الخليج عموما وفي الإمارات بصورة خاصة تحدت الكثير من الصعاب لتصل الي ما وصلت اليه اليوم . وربما لم تكن الصعاب من صنع السياسة بقدر ما كانت من صنع المجتمع والنظرة النمطية التي حجمت من دور المرأة ووضعتها في قالب ضيق لا تستطيع من خلاله الحراك الا ضمن أطر محددة سلفا ومتعارف عليها اجتماعيا. هذا هو التحدي الأول الذي واجهته نساء الخليج.
من ناحيتها حاولت الدولة بقدر الإمكان الأخذ بيد المرأة والوقوف بجانبها سعياً نحو مجتمع أفضل وظروف اجتماعية أحسن تعطي للمرأة حقوقها الطبيعية وتحاول الاستفادة من طاقاتها المهنية لرفعة وخير المجتمع ككل. هذا الوضع انتج في الإمارات واقعا قد يكون مختلفاً بعض الشيء عن دول الخليج الأخرى .
ففي الإمارات وقفت الدولة إلى جانب المرأة وأمدتها بالكثير من الأدوات التي سهلت عبورها بوابة السياسة لتصبح وفي فترة زمنية بسيطة تحتل مواقع سياسية متقدمة وأخرى متميزة في مجال اتخاذ القرار العام .
وعندما حان أوان المقارنة بين وضع المرأة في الإمارات ووضع نظيراتها في الدول الأخرى جاءت المقارنة لصالح الإماراتية بامتياز. المرأة في الإمارات ماضية في طريق تحقيق الإنجازات المتتالية وتفخر بأن الكثير مما حققته أنما جاء توازيا مع عادات وتقاليد المجتمع ورغبات القيادة السياسية التي مكنتها من تحقيق تلك الانجازات أيمانا بقدراتها ورغبة في تمكينها لتصبح مواطنا كامل الأهلية.
إن أي مقارنة عادلة اليوم بين ما حققته المرأة في الإمارات وبين ما حققته نظيراتها من نساء العالم ينتج عنه حقيقة مؤكدة وهي أن ما وصلت إليه المرأة لا يمكن أن يتحقق دون مساعدة القيادة السياسية التي أمنت بحق المرأة وأهليتها لتصبح عنصراً فاعلًا في صنع القرار العام.
كذلك يتبين لنا حقيقة أخرى الا وهي أصرار المرأة الإماراتية على انتهاز الفرص المتاحة وعدم التردد في اقتناصها للوصول الي ما تصبو اليه . فالسياسة ليست غاية في المقام الأول بقدر ما هي وسيلة للتأثير على القرار الحياتي العام وتغير حياة الآخرين إلى الأفضل.
نساء عديدات دخلن التاريخ بوصفهن أول من اقتحم بوابة السياسة وتبوأن مناصب سياسية عليا في صراع صارخ وتحد كبير ليس فقط مع عقلية المجتمع التي ما زالت ترفض أن ترى الأنثى الا في اطار نمطي معين، ولكن مع السلطة السياسية التي ترفض الاعتراف بحقوقهن الطبيعية، ولكن نساء الإمارات سوف يدخلن التاريخ بوصفهن هن المحرك الذي غير عقلية المجتمع وقدن تيار التغير فيه.
التاريخ المعاصر سوف يذكر مارجريت تاتشر وهيلاري كلينتون وغيرهن من النساء اللواتي أثرن في رسم القرار السياسي العالمي، ولكنه أيضا سوف يظل يذكر نساء الإمارات الأوائل اللواتي دخلن بوابة السياسة بهدوء عجيب محققات تأقلماً كبيراً في هذا المجال ومبدعات في حقل يعد جديدا نسبيا بالنسبة لهن .
إن نجاح المرأة أنما هو نجاح للمجتمع ككل لأن التنمية المستدامة انما تنتج عن تمكين الجنسين لأخذ مكانهما اللائق بهما. ومن دون هذا التمكين لن يكون هناك تنمية مستدامة.
جامعة الإمارات