كوريا الشمالية وتجاوز الخطوط الحمراء

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن كوريا الشمالية قد مضت أخيرا إلى أبعد مما ينبغي حتى بالنسبة إلى الصين، وهي الدولة التي ترعاها وتعد صديقها الوحيد. وللمرة الأولى يبدو القادة الصينيون وهم في غمار اتخاذ خطوات متواضعة قصد بها معاقبة جارهم الجنوبي في ضوء تهديده بإجراء اختبار ثالث لسلاح نووي.

بعد عام من توليه منصبه، فإن القائد الأعلى البدين والساذج لكوريا الشمالية كيم جونغ أون قد حول نفسه إلى متنمر يهدد علانية كوريا الجنوبية والولايات المتحدة.

والسؤال الذي أطرحه هو: بماذا؟

لقد قامت كوريا الشمالية بالفعل بإجراء اختبارين نوويين مني كل منهما بالفشل حسبما قال الخبراء النوويون. والآن فيما تهدد كوريا الجنوبية بإجراء اختبار ثالث فإن المسؤولين الحكوميين يقولون إن الاستعدادات تمضي قدما على وجه السرعة، وفي حقيقة الأمر أنه قبل أيام قليلة ذكرت وكالة الأنباء الكويرة الجنوبية "يونهاب" أن العسكريين الكوريين الشماليين قد نشروا قماش القنب التمويهي على فتحة موقع الاختبار الواقع تحت الأرض للحيلولة دون تصوير الأقمار الصناعية التجسسية لما بداخله.

وتذعن كوريا الشمالية لرعاية الصين الصارمة ويرجع ذلك في أحد جوانبه إلى أن الصين تمد قادة كوريا الشمالية بالمجوهرات والمشروبات الثمينة والعطور واليخوت وغيرها من السلع الفاخرة التي لا تخطر على بالهم، وكذلك بمبالغ مالية طائلة. وفي بعض الأحيان يحلق سلاح الجو الكوري الشمالي إلى جنوب الصين لنقل شطائر بيغ ماك من متاجر ماكدونالد.

أما فيما يتعلق بالصين، فإن قادتها يشعرون بالقلق من أمنه إذا سقطت حكومة كوريا الشمالية فإن عشرات الألوف من اللاجئين سوف يتدفقون عبر الحدود، وفي الوقت نفسه فإن كوريا الجنوبية التي تعد كمقر للولايات المتحدة، يحتمل أن تسيطر على الأراضي تاركة دولة تابعة لأميركا بالوكالة عند حدودهم الجنوبية، أو هكذا يتصور الصينيون.

وبينما لا تحب الدولتان إحداهما الأخرى، فإنهما تعتمد إحداهما على الأخرى. ولكن حتى بالنسبة للصينيين فإن هذه التجارب النووية تبدو أكثر مما يطيقون، وقد شددت الخارجية الصينية مرارا على أن شبه الجزيرة الكورية ينبغي أن تكون منزوعة الأسلحة النووية، حيث يبدو جليا أنها تخشى أن كوريا الجنوبية سوف ترد بالشكل نفسه على كوريا الشمالية بالتعاون مع الولايات المتحدة.

وهكذا فإن الصين اقترعت أخيرا لصالح القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي الذي يدين كوريا الشمالية. وقالت صحيفة "غلوبال تايمز" الناطقة باسم الحكومة الصينية إنه: "إذا انخرطت كوريا الشمالية في تجارب نووية إضافية فإن الصين لن تتردد في تقليص مساعداتها لها". وأضافت إنه: "بسبب قوة الصين فإنه طالما أن موقفنا حاسم فإن الموقف سوف يتأثر تدريجيا بمبادئنا وإصرارنا".

لسوف نرى، فذلك لم يكلل بالنجاح حتى الآن، ولكن مكتب الصين الخاص بخدمة الأنباء اليابانية المعروفة باسم "نيكاي" ذكر أن: "الصين تبحث إمكانية فرض عقوبات مالية جديدة على كوريا الشمالية بما في ذلك عمليات تجميد للأصول الموجودة في فروع بنك كوريا الشمالية في بكين وذلك لردع نظام كيم جونغ إيل ومنعه من إجراء تجربة نووية جديدة. وأضاف المكتب أن الصين قد قامت بالفعل بـ"تشديد عمليات التفقد على الشحنات المرسلة إلى كوريا الشمالية في مناطق التفتيش الجمركية على امتداد الحدود".

وقد أبدت المجموعة الدولية للأزمات الملاحظة ذاتها. الآن هل سيؤدي هذا إلى إعاقة كوريا الشمالية؟ بالطبع لا. هل هذا كله يدخل في المظاهر المجردة؟ ربما ولكن الصين لم تتخذ خطوات فعلية مثل هذه من قبل، ولذلك فإني انظر إلى هذه المسألة باعتبارها بالغة الأهمية.

ما هو رد فعل كوريا الجنوبية على هذا كله؟ المزيد من التهديد والوعيد، فقد أصدرت لجنة الدفاع الكورية الشمالية بيانا في أواخر الشهر الماضي جاء فيه: "إننا لا نخفي ان العديد من الأقمار الصناعية والصواريخ بعيدة المدى سوف يتم إطلاقها من قبل كوريا الشمالية واحدا إثر الآخر، وسوف يستهدف اختبار نووي ذو مستوى أعلى الولايات المتحدة وهي العدو اللدود للشعب الكوري".

لقد قالت المخابرات الأميركية إن الصواريخ الكورية الشمالية يمكنها في أفضل الأحوال الوصول إلى هاواي، وهذا أمر سيئ بما فيه الكفاية، ولكن كيم جونغ أون يعرف أيضا أن أي نوع من الهجوم سوف يدفع الولايات المتحدة إلى تحويل: "كوريا الشمالية إلى مرآب" على نحو ما عبرت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس. وما هو أكثر من ذلك أنه إذا اطلقت كوريا الشمالية صواريخ على كوريا الجنوبية، فإن معاهدة الدفاع المشترك مع الولايات المتحدة يمكن أن توضع موضع التنفيذ.

ولكن الآن يمكننا أن نأمل أن الصين في وجود قائد جديد سوف تتدخل أخيرا. وعلى امتداد عقود عدة من الزمن فإن الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، مضت تضغط على الصين لكبح جماح جارتها خلال كل ذلك الوقت لم يقم قادة الصين بشيء يتجاوز الخطاب الشفوي على تلك المحاولات.

الآن يبدو أن القائد الصيني الجديد تشي جينغ بينغ غاضب بالفعل، وهو الشخص الوحيد الذي يمكنه فعلا أن يكبح جماح جاره، فليست هناك دولة أخرى تحظى بأي تأثير حقيقي على بيونغيانغ.

دعنا نؤكد أن خطوات الصين البسيطة والمترددة في توبيخ كيم جونغ أون سوف تتحول إلى استراتيجية تحدث فارقا بالفعل.

 

Email