ضمير الاتحاد

ت + ت - الحجم الطبيعي

يرتبط مفهوم الضمير ارتباطاً وثيقاً بالإيثار، وفسره العلماء بأنه ذلك السلوك الموجه من قبل الفرد لمساعدة الآخرين، دون توقع أو انتظار لأي مقابل. وهو وصف يجسد مجموعة المشاعر والأحاسيس والمبادئ والقيم التي تحكم الإنسان.

كما أنه ميزان الحس والوعي الذي يقوم على أساس فهم الشخص لسلوكه ومسؤولياته الأخلاقية تجاه مجتمعه. فهو مخفي غير ظاهر، يتجلى من خلال التصرفات والأفعال التي تبدر من الشخص تجاه الآخرين.

من هنا جاء مسمى "ضمير الاتحاد" ليعكس لنا ذلك الجانب المضيء من شخصية وفكر صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم إمارة الشارقة، ذلك الضمير الذي كان وما زال يدعم أركان الاتحاد ويعززها، ويحرص على المساهمة في سد الثغرات والتغلب على العقبات التي قد تعترض مسيرته.

الحديث عن شخصية وفكر سموه تماماً كمحاولة الإبحار في بحر واسع ساكنٍ مترامي الأطراف، فتواضعه امتزج ببحر إنجازاته ليضفي عليه السكون والدعة، تسكن في قاعه لآلئ من الحكمة والروية، وتبحر على سطحه محامل من العبر والمآثر.

مواقف ووقفات من البحث لا تقل متعتها عن نشوة الغوص في أمجاد وطن وقيادة، فهي محطات توقف عندها وسجلها التاريخ، ليعاود انطلاقته من جديد مختزلاً سموه سنوات عديدة من عمر الاتحاد.

حديثنا هنا ليس موجهاً لكسر سكون ذلك البحر، بل لنتعلم من جوهره ومكنونه، فنجوبه ونغوص في أعماقه للاقتداء بالسمات والصفات الملاصقة لشخصيته، ولنتذاكر تلك الإنجازات ونتدارسها، نجعلها نبراساً لنا ومثالاً حياً لصدق العاطفة والتضحية، نموذجاً للضمير الوحدوي، وترجمة للمعنى الحقيقي لمفهوم التضحية وإنكار الذات، علنا نوفي سموه ولو قدراً يسيراً من جميله تجاه دولتنا الحبيبة، فكما قال المتنبي:

جمالُ المَجدِ أنْ يُثْنى عليْه * ولولا الشمسُ ما حَسُنَ النّهارُ

لقد لعب سموه دوراً بارزاً، وكانت له إسهاماته التي شهد لها القاصي والداني في دفع مسيرة الاتحاد وتعزيز أركانه، فقد حَمل راية الشارقة مباشرة ودون تردد، عن أخيه الشيخ خالد بن محمد القاسمي، طيب الله ثراه، ليكمل بها المسيرة جنباً إلى جنب مع بقية الإمارات وتحت مظلة الاتحاد، متيقناً أن ما ينتظره من تحديات يتطلب مواصلة بذل الجهد والعمل سوياً مع إخوانه أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد، نحو بناء الوطن وتحقيق رفاهية المواطن.

 وأدرك سموه أن المتغيرات الخارجية المتسارعة تتطلب بيتاً موحداً لمواجهتها، ولا مجال للتردد أو التراجع؛ فالمصير واحد والهدف مشترك، فانعكس ذلك على مواقفه الثابتة وإيثاره المصلحة العامة لدولة الاتحاد إزاء أي مصلحة أخرى، مما أسهم في اتساع الكيان الوحدوي وازدياد قوته وصلابته.

أدرك سموه أن الاتحاد كان وليداً في بداياته، يحتاج من الرعاية والدعم الكثير حتى ينمو ويتغلغل في فكر ووجدان شعب الإمارات؛ فلعب سموه ذلك الدور العقلاني الذي كان مبدأه تغليب المصلحة العامة للاتحاد على جميع المصالح الأخرى دون استثناء، وتمكن بكل حرفية من ترجمة الفكر الوحدوي إلى واقع ملموس، وساهم في إخراج المفاهيم النظرية للاتحاد من بين حيز الفكر البشري.

ومن بين دفتي الكتب، إلى رحاب التطبيق والممارسة العملية.. استوعب سموه جيداً رؤية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وفكره الوحدوي، ليغرد معه ويحلق مع إخوانه حكام الإمارات ضمن سرب الاتحاد، بتناغم فريد لم يكن ليتحقق لولا عظمة التضحية وإخلاص النية.

قرر سموه تحقيق الصعب للتفرغ للمرحلة الأصعب من عمر الاتحاد، فجاءت مبادراته ومواقفه الجريئة وغير المتوقعة، لتختصر المسافات وتتخطى حاجز الزمن. لن ننسى جميعاً تلك اللحظات التي خطها سموه بحروف من ذهب في تاريخ تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة،.

وما أعظمها وأروعها من لحظات، عندما بادر سموه في الرابع من نوفمبر سنة 1975 ميلادية، بإعلان دمج بعض دوائر حكومة الشارقة بالمؤسسات الاتحادية، وإنزال علم إمارة الشارقة ليرتفع مكانه علم دولة الإمارات العربية المتحدة ويرفرف خفاقاً في سماء إمارة الشارقة، كانت هي المبادرة الأولى من نوعها والأجرأ في عمر الاتحاد، لتتوالى بعدها المبادرات.

وجاء حديث سموه لمجلة منار الإسلام في السابع والعشرين من مايو سنة 1976، ليؤكد على هذا النهج حين قال سموه: "إن الشارقة، من موقع المسؤولية وكجزء من دولة الإمارات، تتفاعل مع الاتحاد، ترتبط بحاضره، وتعيش أمجاده، ومكانتها في ظل الاتحاد.

وإن إسهام الشارقة في الاتحاد ظاهر للعيان، فنحن منذ تكوين الاتحاد الجزء الفعّال فيه على مستوى المؤسسات وعلى مستوى الشعب، وقد أدمجت معظم الدوائر المحلية بالاتحاد، وهو إسهام الشارقة في تدعيم الكيان الاتحادي" (من كتاب "حديث الذاكرة" الجزء الأول).

إنجازات سموه لم تكن وليدة لحظة، ولم تكن مقتصرة على زمن أو موقف دون غيره، ولكنها رحلة بدأها مع بداية عمر الاتحاد وظلت مستمرة إلى يومنا هذا، وأبى لإمارة الشارقة إلا أن تكون حاضرة في كل مشروع أو مبادرة تدعم وتعزز من أركان الاتحاد.

ونحن على يقين بأنه يحمل للمستقبل الكثير من المبادرات ليواصل بها مسيرة العطاء، فمبادرات سموه علامة فارقة في تاريخ تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة.

وهذا ما تحتاجه الكيانات الوحدوية الوليدة ليكتب لها النجاح، تحتاج إلى ضمائر حية متفانية مخلصة، ضمائر تغلب المصلحة العامة على المصالح الأخرى، تبادر ولا تنتظر قدوم المبادرات، تشكل القدوة الحسنة والضمير الحي، ما تحتاجه أمتنا هو تلك الضمائر التي أنعم الله تعالى علينا بها في دولة الإمارات، ضمائر للاتحاد وليست للفرقة والشتات، ضمائر للتكامل وليست للتنازع أو التنافس، تحمل هموم الشعب وتنكر ذواتها.

 

Email