استقالة ميقاتي وآفاق الأزمة اللبنانية

ت + ت - الحجم الطبيعي

مساء الجمعة 22 مارس 2013، أعلن رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي استقالة حكومته، بعد خلاف في مجلس الوزراء حول تشكيل الهيئة المشرفة على الانتخابات البرلمانية، والتجديد لمدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي. وتزامن الإعلان عنها مع تدهور أمني خطير في مدينة طرابلس، أدى إلى مصرع ستة أشخاص بينهم جندي، وإصابة 62 مدنياً.

بعد أكثر من عامين على تاريخ تكليفه في 15 يناير 2011، قدم ميقاتي استقالة حكومة لم تكن متجانسة منذ تأليفها، ولم تشعر اللبنانيين بأنها حكومة إصلاح أو تغيير، ولم تنجح في ضمان أمن اللبنانيين وحل مشكلاتهم الاقتصادية والاجتماعية.

وواجهت إضراباً مفتوحاً قادته هيئة التنسيق النقابية طوال أكثر من ثلاثة أسابيع دون انقطاع، وشاركت فيه أعداد كبيرة تمثل 180 ألفاً من موظفي القطاعين العام والخاص، فكان الإضراب الأول والأهم في تاريخ لبنان المعاصر. وبعد أن نجحت الهيئة في نيل ثقة جماهيرها الواسعة، أجبرت حكومة ميقاتي على الاستجابة لغالبية مطالبها، قبل يوم واحد من استقالتها.

تناولت الصحافة اللبنانية موضوع الاستقالة من زوايا داخلية وإقليمية ودولية متعددة، فتساءل البعض عما إذا كانت صدمة إيجابية أم أزمة مضافة تدفع إلى التمديد؟ ولماذا ضحى فريق السلطة بالحكومة، برفضه التمديد لريفي وتشكيل الهيئة المشرفة على الانتخابات؟ وهل الاستقالة تفتح حواراً إيجابياً على قاعدة تلازم المسارين بين تشكيل الحكومة والانتخابات النيابية؟

رأى بعض السياسيين أن استقالة الحكومة جاءت متأخرة، وكان لا بد منها بسبب أدائها الضعيف على مختلف الصعد. وتفاءل آخرون بالاستقالة علها تخرج القوى السياسية من تمترسها المزمن ضمن فريقين متصارعين يرفضان الحوار، رغم الظروف الخطيرة التي تهدد وحدة لبنان، ومصير شعبه.

وربط بعض المراقبين بين استقالة ميقاتي واقتراب موعد الانتخابات النيابية، ورغبته في كسب شعبية كبيرة في مدينته طرابلس. فأعلن في خطاب الاستقالة استعداده للتضحية بروحه في سبيل مدينته، وأنه فضل الاستقالة حين رفض طلبه بالتمديد لمدير عام قوى الأمن الداخلي، اللواء ريفي، ابن طرابلس وأحد القيادات الأمنية الكبيرة في لبنان.

تجدر الإشارة إلى أن توقيت الاستقالة لم يكن مفاجئاً للقوى المعنية بالمسألة اللبنانية، فقد كانت جلسة إقرار سلسلة الرتب والرواتب وتحويلها إلى مجلس النواب قبل يوم واحد، إيذاناً برحيل الحكومة، وإيهام اللبنانيين بتسجيل موقف إيجابي لها، وإن تم إنجازه تحت ضغط الإضراب المفتوح.

وهنا يبرز تساؤلان كبيران:

الأول: من حدد موعد الاستقالة في هذه المرحلة المتفجرة، التي تشهد فيها الساحة اللبنانية تفجيرات أمنية متنقلة ذهب ضحيتها ضباط وأفراد من الجيش اللبناني، إضافة إلى عدد كبير من القتلى والجرحى المدنيين؟

كانت مبررات الاستقالة متوفرة منذ زمن بعيد، وكان يمكن استخدامها لتأكيد الاستعداد لمواجهة المخاطر التي يتعرض لها لبنان، في ظل التطورات الدموية المتفاقمة التي تتهدد سوريا وتصيب وحدة لبنان ومستقبل اللبنانيين.

ولعل الأسباب الحقيقية لاستقالة ميقاتي لم تكشف بعد، لكنها حررت القوى السياسية اللبنانية، في السلطة والمعارضة، من التزاماتها السابقة المستمرة منذ تشكيل هذه الحكومة قبل عامين. ودخل لبنان اليوم أزمة سياسية مفتوحة، يمكن أن تستخدم فيها جميع الأسلحة، السياسية والأمنية والاقتصادية. فقد أنهت الاستقالة معادلة الأكثرية والمعارضة السابقة، على أمل بروز تحالفات جديدة على قاعدة التسويات المصلحية، التي اشتهر بها زعماء الطوائف والكتل السياسية في لبنان.

الثاني: ما علاقة الاستقالة بالاجتماع الذي عقد في روما منذ أيام قليلة، وضم كلاً من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، ورئيس الحكومة والبطريرك الماروني مار بطرس الراعي؟

تشير وقائع الأيام التي أعقبت لقاء روما، وصولاً إلى استقالة ميقاتي، إلى قناعة لدى رئيسي الجمهورية والحكومة بضرورة كسر الجمود السياسي الداخلي، والتنبه إلى مسار الأزمة السورية وانعكاساتها الخطيرة على الساحة اللبنانية. ولعل هذا الموقف المستجد، على صلة بجولة أوباما الفاشلة عربياً وفلسطينياً، والناجحة إسرائيلياً نظراً لما رافقها من مصالحة بين تركيا وإسرائيل بإشراف أميركي مباشر.

هذا بالإضافة إلى تعاظم الضغوط الأميركية والأوروبية ومن دول عربية عدة، لنزع "سلاح حزب الله". فقد صنفه أوباما كمنظمة إرهابية خطيرة، تتطلب حشد التعاون الدولي والعربي لتجريده من سلاحه الذي يهدد أمن إسرائيل، ويدفع قادتها إلى التفكير بإعادة احتلال لبنان مجدداً.

نخلص إلى القول إن استقالة ميقاتي على صلة باجتماع روما، ولم يكن خروجه من مجلس الوزراء الأخير غاضباً ليقدم استقالته عبر وسائل الإعلام، قبل تقديمها في اليوم التالي إلى رئيس الجمهورية وفق الأصول الدستورية، سوى مسرحية مكشوفة لكسب ثقة مدينة طرابلس وناخبيها.

وليس هناك ما يشير إلى اتفاق على عودته إلى رئاسة حكومة إنقاذ وطني تضم جميع الأطراف الفاعلة، وتحضر لانتخابات نيابية لم يتم التوافق على القانون الذي تجري على أساسه. وهناك من يتوقع حكومة تكنوقراط لا ينتسب رئيسها ووزراؤها إلى أي من الفريقين المتنازعين على السلطة، على أن تكون حكومة حيادية تشرف على انتخابات شفافة، بعد التوافق على قانون جديد للانتخابات يرضي غالبية اللبنانيين.

ختاماً، توقع ميقاتي من خلال استقالة حكومته، إطلاق عملية حوار وطني جامع، وتشكيل حكومة إنقاذية تشرف على الانتخابات. وأشارت تقارير صحافية متسرعة، إلى أن ميقاتي عرف كيف يواجه الصعوبات، وخرج من الحكومة أقوى مما دخل إليها، ما يؤهله للعودة كقوة ثالثة فاعلة في النظام السياسي اللبناني، إلى جانب رئيس الجمهورية، ورئيس التجمع الديمقراطي. لكن سياسة "النأي بالنفس" التي اعتمدها مع رفاق دربه في القوة الثالثة، لم تفض إلى أي تفاعل سياسي بين القوى المتنازعة في لبنان.

ولم تنجح في فرض الأمن والاستقرار في غالبية المناطق اللبنانية التي تشهد صدامات دورية مستمرة، ولم تحصن لبنان من مؤثرات التدخلات الإقليمية والدولية المتزايدة على سوريا، وتأثيراتها السلبية على الساحة اللبنانية. فلبنان اليوم ليس بمنأى عن تفجير داخلي محتمل، بعد تعادل ميزان القوة العسكري داخل سوريا. كما أن حكومة تكنوقراط تبقى عاجزة، في الظروف الراهنة، عن ممارسة السلطة في مجتمع متوزع الانتماءات السياسية والمذهبية.

 

Email