شرطة دبي وزمام المبادرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بينما كنت جالساً مع أحد الأصدقاء نحتسي شاي الصباح في أحد المقاهي ذات الإطلالة الرائعة، أخذت إحدى الصحف اليومية وبدأت أجول بناظري بين صفحاتها فاستوقفني خبر يتعلق بجمعية الصيادين، وأخذت أقرأ الخبر لصديقي.

وبينما أنا كذلك شدت انتباهي تلك الصورة الملحقة بالخبر، والتي تظهر أحد قيادات شرطة دبي وهو يترأس الاجتماع، فبادرت بمراهنته على سبب وجود تلك الشخصية ضمن المجتمعين وعلاقة شرطة دبي بجمعية الصيادين، وسألته ما نوع الحماية التي تحتاجها جمعية الصيادين من شرطة دبي في رأيك؟!

أجابني: قد يتعلق الموضوع بمتابعة قوارب الصيد عن طريق الأجهزة اللاسلكية، وربطها بغرفة العمليات لتسهيل متابعة الصيادين في عرض البحر.

وما إن استكملت قراءة الخبر "استقبل رئيس جمعية الصيادين"، حتى ارتسمت آثار الدهشة على وجه صديقي، ولم يوفق في إيجاد الكلمات المناسبة ليصف بها دهشته. فهو لم يتوقع أن تحتضن شرطة دبي من خلال أحد قياداتها، جمعية بعيدة كل البعد عن المهام الأساسية للعمل الشرطي.

وهذا ما جرني لكتابة هذا المقال عن مؤسسة شرطية نالت التميز العالمي في أدائها، فقد استطاعت شرطة دبي على مر السنوات وضع بصمتها الواضحة على العمل الشرطي، وساهم التنظيم القوي والمحترف لهذه المؤسسة بقيادة معالي الفريق ضاحي خلفان تميم، في تميزها في مجال حفظ الأمن، وأصبحت لها سمعتها محلياً وإقليميا وعالمياً، وتعتبر قيادتها اليوم من القيادات الشرطية الأكثر شهرة وتميزاً عالمياً.

والحيز هنا لا يتسع لسرد إنجازاتها المتلاحقة، ولكن سنتطرق إلى بعض وميض تميزها، فأهم ما يميز شرطة دبي مرونتها وجسارتها في التعاطي مع المستجدات والمتغيرات، وما يثبت ذلك هو السبق الذي تحرزه في كافة المبادرات التي تطلقها الحكومة أو حتى تتبناها القيادة داخلياً.

فعلى مستوى الخدمات الإلكترونية، كانت من أوائل المؤسسات التي أدخلت أجهزة الحاسب الآلي في العمل الحكومي، كما كانت الأولى التي تتبنى سياسة الإدارة بلا أوراق، والتحول إلى نظام التراسل الإلكتروني الذي تم تعميمه لاحقاً على بقية المؤسسات الحكومية في دبي، وتعتبر غرفة العمليات في شرطة دبي اليوم، من أكثر غرف العمليات تطوراً على مستوى العالم.

وتحظى شرطة دبي وقيادتها بثقة عالية من الحكومة الاتحادية وحكومة دبي، فكثيرا ما يتم تكليفها بتحمل مهام أمنية كبرى، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر، نجاحها المبهر في تأمين انعقاد الاجتماع السنوي لممثلي مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في دبي عام 2003، كما شكلت طريقة تعاطي شرطة دبي مع قضية المبحوح، والكشف السريع لملابسات القضية، ونظام المراقبة المصمم في دبي والمرتبط بالفنادق، صدمة قوية لم يتحملها الإعلام العالمي.

والسر يكمن، كما أسلفنا، في المرونة التي تتمتع بها الشرطة، وأخذ زمام المبادرة في مجال الوقاية الأمنية، دون انتظار حدوث المشكلة للتفكير في علاجها. فشرطة دبي أعطت مثالاً حياً لنظرية المؤسسات التي لا تعمل كرجل الإطفاء، ينتظر اشتعال النيران ليبدأ في إطفائها، بل رسمت كافة السيناريوهات والاحتمالات، ومن ثم استثمرت في وضع الحلول لمواجهة أي مشكلة قد تحدث، والاستعداد مادياً وبشرياً وحتى فكرياً لمواجهتها.

لم تقف شرطة دبي عند حدود حفظ الأمن وصون الحقوق والحريات، بل قررت أن تكون الأكثر قرباً من المجتمع، فبادرت بتأسيس الإدارة العامة لخدمة المجتمع لتحقيق ذلك التوجه. والمتعمق في أنشطة الشرطة وبرامجها المجتمعية اليوم، سيجدها تخدم هدفا أعلنه معالي الفريق ضاحي خلفان، يتعلق بتغيير نظرة المجتمع تجاه الشرطة، مع الحفاظ في الوقت ذاته على هيبتها، بما يمكنها من أداء واجباتها ومسؤولياتها الأمنية.

حملت شرطة دبي على عاتقها أخذ زمام المبادرة لتغيير نظرة المجتمع عن رجل الأمن، تلك الشخصية التي ظل يتخيلها أفراد المجتمع لدينا ولدى مجتمعات عربية أخرى، بأنها شخصية متسلطة ومتعجرفة وقامعة.

وهذه المبادرة لا تقل أهمية عن التعاطي مع قضايا جنائية كبرى، فهي تتعلق بتغيير نظرة ترسخت في ذهن المجتمع لسنوات عديدة، ورغم سلبياتها إلا أن تلك النظرة كان لها دورها في حفظ هيبة رجال الأمن، وتمكينهم من أداء مسؤولياتهم دون عوائق من المجتمع.

استمدت هذه المبادرة أهميتها من طبيعة عمل رجال الأمن، فالأمن خط أحمر لا يمكن المساومة عليه، ورغم ذلك، استطاع الفريق ضاحي خلفان أن يترجم فكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على أرض الواقع، حيث يقول سموه في هذا الصدد: إن المخاطرة موجودة في أي عمل قد يقوم به الإنسان أو الدولة، فالحياة كلها مخاطر وتحديات، والنجاح الصعب مذاقه ألذ ونكهته أطيب، فلولا التحديات لما جاء النجاح والتفوق، خاصة إذا كان النجاح للوطن ويقطف ثماره المواطن "فبدون التحديات لا نشعر بطعم النجاح والسعادة التي نكنها ونتمناها لكل مواطن ومواطنة على أرض دولتنا العزيزة".

وبذلك قرر الفريق ضاحي خلفان المضي قدماً في هذه البادرة الاستثنائية، وأن تكون شرطة دبي الأقرب إلى المجتمع، ولم يمانع في منافسة مؤسسات الخدمة المجتمعية في ذلك، فهو واثق من قدراته وملكاته، لأنه يمتلك ما لا يمتلكه غيره؛ شرطة ذات تنظيم قوي، وفريق ملهم من الموظفين. فهو من القادة المتميزين الذين تخرجوا بامتياز مع مرتبة الشرف من مدرسة محمد بن راشد، وما زال يعتبر نفسه بكل تواضع طالباً فيها.

تمتلك شرطة دبي الكثير من الأمثلة والتجارب لنجاحات متميزة، معظمها ظاهر للعيان، والبعض الآخر بدأت تتراكم عليه قصص النجاحات المتجددة للشرطة. ونحن هنا نحمل رسالة مفادها التلميح لبعض تلك الإنجازات والتجارب المتميزة لتعم الفائدة، وهي في النهاية تجارب إدارية، لا بد من نشرها لتستفيد منها كافة مؤسساتنا الوطنية دون استثناء، ويكون شعارنا جميعاً "الأخذ بزمام المبادرة".

 

Email