قطرية رائعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أجل، فقطر أضحت بؤرة للنشاط والحركة والحيوية، ومن آيات ذلك النشاط وتلك الحيوية التي تثلج الصدور، ما كشفه سيف الكواري، مدير إدارة البحوث واللجان في غرفة تجارة قطر، عن اعتزام قطر طرح وظائف للخليجيين سيحصلون بموجبها على 90% من المميزات التي يحصل عليها القطري. وأضاف موضحاً جوانب "المبادرة" - التي هي بحق تحفة قطرية - أن بلاده تجري حالياً مسحاً في قطاع العمل لمعرفة حجم الاحتياج الوظيفي، قبل البدء في طرح الوظائف أمام مواطني مجلس التعاون الخليجي، كما نقل موقع "أرقام" في 15 من الشهر الجاري.

ولم ينس الكواري "الحساسيات" التي ربما تكون قائمة أو تنشأ في المستقبل، بين العمالة الوطنية وتلك القادمة من الدول الخليجية الشقيقة، إذ أكد "أن دخول مواطني الخليج لسوق العمل في قطر لن يتسبب في أي مزاحمة أو منافسة أمام مواطني قطر، ذلك أن المساحة كافية ومحفزة لتشغيل بقية مواطني الخليج كأولوية، في حال وجدت كفاءة عالية تتناسب وطبيعة المهن".

ومن الطبيعي أن يكون القطاع الخاص هو المستفيد الأكبر من هذه المبادرة البناءة، حيث كما يقول إن "قطر تمر بطفرة كبيرة تدفعها إلى عمل ووضع المغريات الوظيفية لسد احتياجاتها، وأن الفرص متاحة أمام العاملين في القطاع الخاص للحصول على الكوادر البشرية ذات الخبرة". ولعلنا ننوه إلى أن نسبة مشاركة العمالة القطرية في القطاع الخاص هي الأدنى بين شقيقاتها الخليجيات، إذ لا تتجاوز الواحد في المئة، أما جارتها البحرين فهي الأعلى، حيث تصل إلى العشرين في المئة ("الوطن" الكويتية، 19/5/2012).

إذن، فمبادرة رائدة كهذه - إن أخذت طريقها إلى التطبيق - ستفتح المجال واسعاً أمام الكفاءات الخليجية، التي قد لا تجد العمل المناسب في بلادها، أو التي تتطلع إلى تحسين أوضاعها واكتساب خبرات جديدة، وبالذات خريجي الجامعات الأجنبية الخاصة أو المبتعثين إلى الجامعات الأميركية والأوروبية، والذين يروق لهم نظام العمل الحديث، القائم على المرونة والمبادرات الشخصية البعيدة عن الروتين، والتي يجسدها القطاع الخاص بشكل واضح.

وأرقام خريجي جامعاتنا أصبحت كبيرة، وإيجاد فرص عمل مناسبة لهم أصبح أمراً صعباً. فخريجو جامعة الكويت ومعاهدها التطبيقية، على سبيل المثال، يفوق عددهم العشرة آلاف سنوياً، عدا خريجي الجامعات الخاصة والمبتعثين إلى الخارج. ويشير موقع "أرقام" نقلاً عن جريدة الرياض (16/5/2012)، إلى وجود "بطالة بين حاملي الشهادات"، وإلى أن ثمة أكثر من 130 ألف مبتعث خارج البلاد، علماً بأن المملكة العربية السعودية لديها أكثر من 10 جامعات، غير الكليات الأخرى، ينخرط فيها الآلاف من الطلاب والطالبات.

والحق أن مبادرة غرفة تجارة قطر ستلاقي النجاح، لأن ثمة حاجة للتكامل الخليجي في ميدان التخفيف من ظاهرة بطالة الخريجين التي أخذت تكبر، والاستفادة من هذه القوى لسد النقص، فضلاً عن سهولة انتقال المواطن الخليجي من بلد إلى آخر ضمن بيئة متجانسة، حيث سهولة الاندماج وعدم الإحساس بالغربة، مع توفر وسائط النقل الرخيصة التي أضحت في متناول كل يد، فضلاً عن أجهزة التواصل التي تجعله مرتبطاً بأسرته وأصدقائه.

وظاهرة انتقال العمالة الخليجية ليست وليدة الساعة، بل لها عمق في تاريخ المنطقة، فبنادر (موانئ) الخليج العربي كانت تشهد قبل موسم الصيف حركة نزوح للباحثين عن العمل، من وسط نجد ومن المناطق المحيطة بالخليج العربي، بغية ركوب سفن الغوص على اللؤلؤ. وحينما تفجر الذهب الأسود من صحارينا، أصبحت مراكز إنتاجه والمدن القريبة، محل استقطاب لأهل المنطقة، ولذلك نرى توزع كثير من أفرع العائلة الواحدة في أكثر من بلد خليجي.

إعجابي منقطع النظير بهذه المبادرة القطرية الطيبة، التي أتمنى أن توضع موضع التنفيذ في أقرب وقت ممكن، وأملي أن يغتنم شبابنا الطموح مثل هذه الفرص، وأن يقتحموا ميادين الرزق التي لم يألفوها، وأن يخوضوا غمار التجارب سعياً لتحقيق أحلامهم، وألا يتطلعوا إلى الأعلى وهم قاعدون دون أن يحركوا ساكناً، "فالسماء لا تمطر ذهباً ولا فضة".

 

Email