الوضع في العراق نحو المزيد من التأزم

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا أحد يستطيع إنكار حقيقة أن الوضع في العراق شديد الخطورة وينذر بأسوأ العواقب إذا ما أساء من يجلس في موقع صناعة القرار تقدير عواقب ما يتخذه من قرارات. ولعل رئيس الوزراء هو الأكثر قلقاً، بحكم كونه يشغل هذا الموقع، حيث يواجه الكثير من التحديات على جبهات عدة، وهو الوحيد الذي تتوافر لديه صلاحيات دستورية واسعة تؤهله لمواجهة ما يحيق بالعراق من أخطار.

 ففي الكلمة التي ألقاها في احتفالية يوم المرأة العالمي في السابع من مارس الجاري، لوحظ أن هذا الموضوع المهم الذي يتعلق بحاضر المرأة ومستقبلها لم يحظ بغير ثمانية دقائق من حديثه الذي استغرق زهاء ثلاثين دقيقة، فقد كرس جل الحديث للأزمة القائمة والمستمرة بالتصاعد.

إلا أن أبرز ما يستحق التعليق عليه هو ما قاله بالحرف الواحد في معرض تطرقه إلى الاحتجاجات والاعتصامات في المناطق الغربية والشمالية من العراق بأن «الحرب الطائفية على الأبواب ولن يسلم منها أحد، حتى تجار الحروب أنفسهم».

الحرب الطائفية التي أشار إليها رئيس الوزراء العراقي لها ركنان أساسيان، أولهما الجانب النظري الذي يخلق الأسس العقائدية والولائية للانقياد والتوجه بقناعة نحو هذا النوع من الصراع وهو ما يصنعه عادة أشخاص متطرفون دمويون يرتدون المسوح الدينية في الفتاوى التي يصدرونها وفي الخطب التي يلقونها من على منابر دور العبادة وفي التصريحات التي يدلون بها على شاشات الفضائيات.

أما ثانيهما فهو توظيف هذه العقيدة العدائية ميدانياً بعد أن تكون قد تغلغلت بشكل مؤثر في عقول بعض الناس البسطاء، وقرار التوظيف هذا يتحكم به العاملون في الحقل السياسي الذين لديهم المليشيات المأجورة ويمتلكها كذلك من لديه السلطة على الأجهزة الأمنية.

إن تمسك رئيس الوزراء بموقفه الصلب اتجاه مطالب المحتجين والمعتصمين، انطلاقاً من قناعته بأن التظاهرات في المنطقة الغربية والشمالية نابعة من أجندة خارجية قد زاد من حدة الأزمة، فهو يتجاهل بذلك حقيقة مهمة وهي أن سوء الأوضاع واليأس من قدرة أو رغبة الحكومة في مواجهة ذلك بروح إيجابية قد خلق أكثر من سبب لاندلاع هذه الاحتجاجات.

وأن تصرف بضعة أشخاص حاولوا ركوب موجتها وتوجيهها لأغراض سياسية معادية للنظام القائم لا يضفي عليها مسحة التبعية لجهات أجنبية، ولا يلغي في الوقت نفسه حقوق الناس الدستورية في التظاهر للمطالبة بإصلاح أحوالهم المزرية.

من جانب آخر، تراجعت العلاقات بين رئيس الوزراء وشركائه في العملية السياسية خطوات عدة إلى الوراء، فقد استقال وزيران ويتبعهم آخرون من ائتلاف العراقية احتجاجاً على تجاهل الحكومة لمطالب المتظاهرين في الأنبار وعلى مقتل بعض المتظاهرين في الموصل برصاص الجيش. كما دخلت الحكومة في معركة جديدة مع التحالف الكردستاني بعد تمرير مشروع الموازنة المالية خارج أطر التوافق التي أصبحت تقليداً وعرفاً في العملية السياسية في تجاهل تام لاعتراضات التحالف الكردستاني على بعض بنودها.

أما على مستوى العلاقات داخل المجلس النيابي فأزمة الشارع العراقي مع الحكومة قد انتقلت إليه، حيث تفاقمت الخلافات بين الفرقاء الجالسين تحت قبته إلى درجة تحولت فيها الحوارات إلى تبادل السباب والاشتباك بالأيدي وبغيرها.

ورغم شدة وتنوع الأزمات التي تواجه رئيس الوزراء إلا أنه لا يعيرها كبير أهمية طالما لا تشكل خطورة على وضع حكومته الدستوري، فإن انسحاب جميع وزراء العراقية، إن حصل، وهو أمر مشكوك فيه، لن يجبرها دستورياً على الاستقالة طالما أن التيار الصدري والتحالف الكردستاني لا نية لديهما في سحب وزرائهما كما دعاهما لذلك ائتلاف العراقية.

فمصدر القلق الوحيد الذي يؤرق رئيس الوزراء هو أن يتوحد الشارع العراقي وتنتقل حركة الاحتجاجات والاعتصامات إلى مدن الوسط والجنوب، وتضطر النخب السياسية التي تمثل هؤلاء في مجلس النواب، في ضوء ذلك، إلى الاستجابة لهذه المتطلبات وتفعيل حجب الثقة عن رئيس الوزراء.

الشارع العراقي لم يتوحد بعد وراء حقوقه الدستورية بسبب الشحن الطائفي الذي تعمد إليه الأحزاب الطائفية التي تعتاش على إدامة هذا الشحن، إذ ليس هناك ما يبرر عدم التوحد في ما يتعلق بأغلب المطالب التي يطرحها المتظاهرون والمعتصمون في المناطق الشمالية والغربية، فهي مطالب تشترك فيها محافظات الوسط والجنوب التي قد تكون أحوال بعضها أسوأ من أوضاع المحافظات التي تشهد حركة الاحتجاجات.

الحرب الأهلية التي يحذر منها رئيس الوزراء لا تندلع بفعل التظاهرات والاحتجاجات السلمية التي يضمنها الدستور، ولن تندلع بتفجير حزام ناسف يقوم به انتحاري أو انفجار سيارة مفخخة في هذا الحي أو ذاك.

فالعراقيون قد تعايشوا مع أحداث كهذه على مدى السنوات المنصرمة، إذ لم يمر يوم واحد في معظم مدن العراق الكبيرة وخاصة العاصمة بغداد دون وقوع حدث أو أكثر من هذا النوع. الحرب الأهلية تندلع فقط إثر نجاح البعض في إحداث فتنة طائفية حين يحصل اعتداء على أحد الرموز المقدسة التي ترتبط تاريخياً ودينياً ووجدانياً بحياة ومشاعر طائفة معينة من الشعب ذات وجود فاعل في الحياة المجتمعية كما شهدنا ذلك عندما حدث التفجير الإجرامي لمرقد الإمامين العسكريين في سامراء عام 2005.

اندلاع حرب أهلية أو عدم اندلاعها وإدخال العراق وربما المنطقة برمتها في نفق مظلم لا مخرج منه، قد أصبح خياراً بيد حكومة المالكي التي بحوزتها جميع خيوط اللعبة، فهي تمسك بكل ما يتعلق بملفات الأجهزة الأمنية التي تضخم حجمها كثيراً، وأصبحت تستهلك الكثير من ميزانية الدولة وتحد بذلك من فرص تحقيق إنجازات في مجال التنمية والتطوير.

فحماية المراقد والأماكن الحساسة دينياً وطائفياً هي من مسؤولياتها حصراً، والتهاون في ذلك والسماح بحدوث خروقات أمنية تتيح لفئات إجرامية معينة فرصة القيام بما يسيء لهذه المراقد يعرضها للمسؤولية التاريخية، ويضعها في موقع المتهم بالتسبب بهذه الحرب الطائفية أو عدم فعل ما يكفي لدرأ حدوثها، خاصة وأن الأجواء غير الصحية السائدة في العملية السياسية تسمح بكل ما هو غير ممكن تبريره في الظروف العادية.

 

Email