أميركا ومذكرة الاغتيال

ت + ت - الحجم الطبيعي

«ورقة بيضاء» مسربة من وزارة العدل الأميركية، تدعم قتل الإرهابيين المقيمين في الخارج الذين يصادف أنهم يحملون الجنسية الأميركية، أثارت نقاشاً محتدماً على امتداد أميركا.

ورغم أنه لا داعي لأن يخاف الأميركيون العاديون من احتمال أن يقتلوا بواسطة طائرة موجهة عن بعد في ليلة ما، وهم يلتهمون المعكرونة والجبنة ويشاهدون المباريات، فإن هناك قلقاً بشأن حقيقة أن الحكومة الأميركية تتجاوز ضوابطها بشكل صارخ، من خلال استهداف المواطنين الأميركيين بغرض الإبادة.

ولا تشمل الوثيقة، التي أسماها الجاهلون "مذكرة درون"، أي ذكر على وجه الدقة لكلمة "درون" أو أي كلمة مرادفة لها. ولكن المذكرة أفادت أنه ينبغي للحكومة الأميركية أن تكون قادرة على استهداف الأميركيين، أليس كذلك؟ نعم، ولكن حصراً على أرض أجنبية، وفي ظل معايير محددة للغاية.

فحقيقة أن حماتك تزورك من حين لآخر، لا تعني أن غرفة معيشتك مؤهلة رسمياً لأن تشكل منطقة صراع، ما لم تكن تقع في دولة مثل اليمن أو باكستان.

و"مذكرة الاغتيال" لا تنطبق عليك إذا كنت مواطناً أميركياً يعيش داخل الولايات المتحدة، أما إذا كنت في الخارج فقد تصبح صيداً سهلاً إذا كنت من "كبار زعماء" تنظيم القاعدة، وتشكل "تهديداً وشيكاً بهجوم عنيف ضد الولايات المتحدة"، وإذا كان "اعتقالك غير مجد".

وينبغي لهذه العوامل أن تتماشى أيضاً مع "مبادئ قانون الحرب التي تحكم استخدام القوة: الضرورة والتمييز والتناسب والإنسانية (تجنب المعاناة التي لا حاجة لها)".

وبعبارة أخرى، فإن الحكومة الأميركية تحاول وضع بعض الأسس القانونية للحالات التي يصادف فيها أن الإرهابيين يحملون الجنسية الأميركية، الأمر الذي بات يمثل ظاهرة شائعة على نحو متزايد.

وانعدام التمييز فيما يتعلق بمن يمنح الجنسية الأميركية، وهو النمط الذي يمكن القول إنه بدأ مع تخفيف السيناتور الديمقراطي الراحل تيد كيندي لمعايير الهجرة القانونية في ستينات القرن الماضي، يتحمل إلى حد كبير مسؤولية الالتباس الذي تشهده ساحات القتال هذه الأيام. ففي السابق، كانت الحروب تقع بين الدول القومية، وكان بوسعك أن تفترض أن أي شخص يشاركك جنسيتك ويقاتل على الجانب الآخر، يستحق أن يتلقى رصاصة لخيانته.

وفي هذه الأيام، ترسم خطوط المعارك بين الأيديولوجيات بدلاً من البلدان، ومع ذلك فإن المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة تمنح الدول الحق الموروث في الدفاع عن النفس.

ولا علاقة لجنسية المقاتلين بهذا النوع الجديد نسبياً من الحروب، على الأقل إلى أن يقتل شخص ما مواطناً أميركياً ثنائي الجنسية (مثل أنور العولقي، الذي يعد فورست غامب الإرهاب المعاصر)، وجماعات حقوق الإنسان تحاول أن تجعل الضحية تبدو كدوني أوزموند.

 وحين تحاول هذه المجموعات الناشطة لف الحرب بشريط قانوني أحمر، فإنه يصبح من الواضح أننا لا نستطيع خوض حروب الجيل الرابع هذه، الشبيهة بحروب العصابات والقائمة على أسس أيديولوجية، باستخدام الإطار العتيق لصراعات الدول القومية العائدة للجيل الثاني.

ماذا لو صادف أن أسامة بن لادن التالي يحمل الجنسية الأميركية؟ هل يجب أن يكون معفياً من عواقب العمل العسكري لمجرد أنه أميركي؟ هل ينبغي السماح له بطلب محام من ساحة معركة أجنبية، لمجرد أنه يفترض بجنسيته الأميركية أن تمنحه حقاً فطرياً في ساعات قابلة للفوترة بالثانية؟ أم هل ينبغي، بدلاً من ذلك، وفي حالات محددة، التخلص منه فحسب؟

هذا هو النوع من السيناريوهات الذي يبدو أن وزارة العدل الأميركية والبيت الأبيض يضعان له الأساس، ومن الواضح أن مذكرة وزارة العدل ليست سوى مجرد بداية في تطوير معايير حرب جديدة.

وتحاول حرب الجيل الرابع القائمة على أسس أيديولوجية، مجاراة تطوير إطار جديد طال انتظاره. ولا يتعلق هذا بمؤامرة شائنة تهدف لقتل الأميركيين العاديين، وإنما بحماية الحكومة الأميركية لنفسها قانونياً، ضد أي احتمال ممكن لحرب جيل رابع.

ومسألة أن الطائرات الموجهة عن بعد تمثل الأدوات المفضلة الجديدة لخوض الحروب في عصر تزداد فيه الحساسية للخسائر العسكرية، هي نقطة نقاش مختلفة تماماً.

وإذا ابتعدت، بصفتك مواطناً أميركياً، عن أماكن مثل معسكرات تدريب الإرهابيين في باكستان، فإنك ستكون بخير في أية حال.

 

Email