هل بدأ زمن الانقلاب الأميركي على الإخوان المسلمين في مصر؟

علامة استفهام بدأت تطرح ذاتها بقوة في الأسابيع الأخيرة، لا سيما مع الدعوة الرسمية من قبل الرئيس مرسي للانتخابات البرلمانية أوائل مايو المقبل من جهة، والاعتذار المبطن عن استقبال مرسي في واشنطن قبل الانتهاء من العملية الانتخابية من جهة ثانية، وحتى لا ينظر إلى واشنطن على أنها داعم رئيسي للإخوان. يعن لنا بداية التساؤل: هل هذه انتخابات محكوم عليها بالفشل قبل أن تبدأ؟ وإن كان ذلك كذلك، فلماذا الإصرار عليها؟

هناك في حقيقة الأمر ثلاثة مرتكزات تقودنا إلى اليقين بأنها انتخابات فاشلة، لن تؤدي إلا إلى شق الصف المصري..

الركيزة الأولى هي غياب حالة المصالحة الوطنية بين المصريين وبعضهم البعض، لا سيما وأن أتباع ومريدي الحزب الوطني الحاكم السابق، يتجاوزون ثلاثة ملايين غاضب على الإخوان سياسياً.

الأمر الثاني هو غياب حالة الأمن بشقيه؛ السياسي والجنائي، الأمر الذي ينذر بأعمال عنف غير مسبوقة في مثل تلك الانتخابات، ومعها تسيل الدماء في الشوارع.

ثالثاً، تردي الحالة الاقتصادية المصرية، إلى الدرجة التي يرى معها المراقبون أن موعد الانتخابات المقبلة هو عينه موعد إعلان إفلاس مصر، أو على أضعف تقدير الوصول بالاحتياطي النقدي إلى الدرجة صفر، وساعتها لن يكون شاغل البلاد هو المجلس النيابي، بل رغيف العيش الذي يحذر البعض الآن من إمكانية عدم وجوده، بسبب توقف إمدادات القمح لعجز مصر عن الدفع بالعملة الصعبة.

هل تغيب مثل هذه المعطيات الخطيرة عن ناظر الأميركان؟ وهل سيقفون مكتوفي الأيدي إزاءها؟ تذهب مجلة "فورين بوليسي" الأميركية النافذة، في أحد أعدادها الأخيرة، إلى أن عمل إدارة الرئيس باراك أوباما مع الرئيس مرسي كأول رئيس منتخب ديمقراطياً، لا يعني دعمه أو تأييده له وللإخوان المسلمين في السلطة، وأشارت إلى أن واشنطن لا تريد شيئاً أكثر من سحق الإخوان في انتخابات ثانية، وربما تكون هذه رؤيتهم الاستراتيجية.

ما الذي يجعل أوباما وإدارته يقلبون لمرسي وللإخوان ظهر المجن، كما يقال؟ إنها البراغماتية الأميركية العتيدة، التي صورت لهم أثناء ثورة 25 يناير، أن فصيل "الإخوان" هو الفصيل الأكثر حضوراً وتنظيماً على الأرض، وربما الأجدر والأقدر على قيادة مصر..

هل كان هذا مجرد وهم وخيال؟ مؤكد أن الرصد والمتابعة الأميركيين لحالة الشارع المصري والتظاهرات اليومية التي بدأت تدخل في سياق العصيان المدني، قد أثارت لديهم إحساساً عاماً بانهيار النظام العام، الأمر الذي أرجعته "فورين بوليسي" إلى "القيادة الخرقاء الاستثنائية من جماعة الإخوان المسلمين ومحاولات الاستيلاء على السلطة".. فهل انتهت لعبة أوباما بالخسران؟

لقد كان واضحاً منذ البداية أن الغزل مع "الإخوان المسلمين" وغيرهم من الراديكاليين الأصوليين، لن يؤدي إلى أي شيء يسر الخاطر.. رغم أن الإدارة الأميركية الحالية ساعدت في الوصول إلى السلطة قوى تحظى بدعم الأصوليين في الشارع العربي، ولكنها لا تهضم أبداً الأميركيين.

ماذا عن أجراس ونواقيس الخطر التي باتت تدق في واشنطن وبشكل منتظم، لتحذر وتنذر من الاستمرار في دعم الإخوان ومرسي؟

خذ على سبيل المثال، ما ورد عن "مركز أبحاث السياسة الخارجية في واشنطنFPRI "، الذي حذر من "انزلاق مصر التي أصبحت ـ حسب وصف المعهد ـ تحت قبضة حكم معادٍ، ونحن نستمر في التعامل معه كصديق".

ليس هذا فقط، بل يشير تقرير حديث للمركز إلى أن "يد الإخوان المسلمين طويلة وستستمر في إدارة الأمور من خلف الستار، حتى في ظل وقوع انقلاب عسكري"، مما يشير إلى النتائج الوخيمة التي حلت بالشعب المصري جراء قطف ثمار الديمقراطية الإخوانية، إن تسنى لها البقاء، ومخاطرها على عموم المنطقة وأماكن أخرى..

ماذا يفعل الأميركيون الآن؟ مؤكد في ظل مراقبتهم للمشهد، أنهم يرون حالة من التفكك ثم الانهيار المتوقع لفكرة الدولة المؤسساتية في مصر، والحديث يطول عن الأصوات التي حذرت ولا تزال من أن انهيار الدولة في مصر سيخل بكثير جداً من التوازنات الاستراتيجية في المنطقة، هذا ما قالته هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية السابقة أخيراً، محذرة من أن "انهيار مصر سيؤدي إلى حدوث فوضى وعنف بشكل لا يمكن تصديقه، وسيضر بالمنطقة بأكملها".

تقول الأنباء الواردة من واشنطن، إن أوباما الذي وضع كل رهاناته السياسية على مرسي والإخوان، أضحى من المحتم عليه الآن، في ظل الإخفاق الواضح لحكومة مرسي، البحث سريعاً عن بدائل للحيلولة دون زعزعة استقرار المنطقة بأسرها.. هل لهذا السبب يرسل وزير خارجيته جون كيري إلى مصر مستبقاً زيارة أوباما نفسه إلى الشرق الأوسط الأسابيع المقبلة؟

الخارجية الأميركية تزعم أن كيري لديه الكثير الذي سيقوله ويستمع إليه عند زيارته للقاهرة.. هل في الأمر رسالة للقيادة المصرية وتعبير أميركي عن عدم رضى واشنطن عن سياسات مرسي والإخوان؟

الراصد للمواقف الأميركية المختلفة، إعلامياً ومجتمعياً وحكومياً، يدرك نشوء وارتقاء حالة انقلابية ضد الإخوان منهجاً وأداءً، غير أن ما يغيب عن أعين الأميركيين، أو يعلمونه ويتجاهلونه، هو أن انقلابهم على الإخوان سيكون له ثمن فادح على مصالحهم عامة في المنطقة.. لكنها أميركا الخاضعة لدافع قسري مهلك يحملها دوماً على تكرار الأخطاء نفسها، على الرغم من دروس الماضي الرهيبة.