جدل التحوّل إلى طاقات متجددة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا تجري عملية التحول إلى الطاقات المتجددة؛ الرياح والشمس وتيارات البحر وغيرها، بشكل سلس وعلى قاعدة علمية بحتة، بل إن تلك العملية كغيرها من التحولات الكبرى، يكتنفها صراع المصالح. فقد نشرت جريدة الغارديان البريطانية (15/2) مقالاً حول حملة تقودها إحدى الشركات منذ عقد، للتشكيك في ظاهرة الاحتباس الحراري وارتفاع منسوب البحار، والناشئة أساساً من زيادة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، بسبب حرق مصادر الطاقة الأحفورية.

وتقول الجريدة إن تلك الشركة أنفقت إلى الآن حوالي 120 مليون دولار، هي عبارة عن تبرعات من جهات وشخصيات محافظة ثرية، وذلك لخلق رأي عام مضاد للتحول إلى استخدام طاقة الرياح والطاقة الشمسية على وجه التحديد، يقوده بعض العلماء الذين يترددون في قبول تلك الطاقات، باعتبارها مصادر آمنة ويعتمد عليها لتلبية احتياجات البلاد الصناعية من الطاقة.

علماً بأن الشركات المصنعة لأجهزة تلك الطاقات الجديدة، تلقى دعماً حكومياً منذ أكثر من عقد، وبالذات في الدول الأوروبية كألمانيا وبريطانيا.

ويتشكك بيتر غلوفر في مقال كتبه في "إنرجي تربيون" ونشرته جريدة الجريدة الكويتية (16/2)، في جدوى الدعم الحكومي وما يسببه هذا الدعم من ذهاب أموال دافعي الضرائب إلى جيوب غير مستحقيها، ويبين أن الطاقة المتولدة من الرياح أغلى من مثيلتها المتولدة من المحطات التي تعمل بالغاز الطبيعي، فتكلفة الأولى للكيلوواط/ ساعة هي 8.2 سنتات، في حين أن تكلفة الأخرى هي 6.3 سنتات. ويرى أنه لا مبرر لدعم التحول إلى طاقة الرياح، في الوقت الذي تسعى الولايات المتحدة إلى إنتاج الغاز الطبيعي الصخري.

كما يرى أن الطاقات المتجددة يجب أن تعتمد على مقوماتها الذاتية، دون الحصول على امتيازات أو دعم من أي جانب، حتى تتمكن من أن يكون لها موطئ قدم في ظل قوانين السوق الحرة.

ويذهب العالم البيئي البريطاني جيمس لفلوك، وهو من المناصرين لاستخدام الطاقة النووية، إلى أن استخدام الطاقات المتجددة، وخاصة طاقة الرياح، "هدر للموارد ونوع من الموقف الأيديولوجي لأناس حالمين"! لكن هذا العالم الذي ولد عام 1919، يقر بالتغيرات المناخية التي تسببها الغازات الدفيئة، وهو أيضاً يرى أن الطاقة الشمسية هي المصدر الوحيد غير الملوث للبيئة، ويمكن أن تكون مصدراً أساسياً للبلدان التي تتساقط فيها الشمس بكثرة (كبلادنا العربية)، لكنه غير فعال في بريطانيا لتلبد سمائها بالغيوم معظم أيام السنة.

والعالم لفلوك هو واضع نظرية "غايا"، وهي في الأسطورة اليونانية ربة الأرض، ويرى أن الأرض نظام يتحكم في نفسه ذاتياً. وفي كتابه "وجه غايا المتلاشي" الذي نشره عام 2006 وهو فوق التسعين من عمره، وله ترجمة صدرت في سلسلة "عالم المعرفة" الكويتية (مايو 2012)، يعقد هذا العالم مقارنة بين المساحة المطلوبة لبناء محطات الطاقة على اختلافها، مع ملاحظة عنصر المساحة، حيث إن الأرض شحيحة في الجزر البريطانية ومعظمها مزروع أو عبارة عن مراع.

يقول في ص 104: إن بناء محطة بقدرة غيغاواط (ألف مليون واط) تحتل مساحة 30 فداناً أو نحو ستة ملاعب كرة قدم بالنسبة للمحطات النووية وتلك العاملة بالفحم، والشمسية تتطلب 5 أميال مربعة من الصحراء (لاحظوا الصحراء) وهي بعيدة جداً عن بريطانيا. أما طاقة الرياح فهي بحاجة إلى 1000 ميل مربع (5050 ميل). ومحطات الرياح والشمس بحاجة إلى محطات داعمة من الوقود الأحفوري عندما تتوقف.

لكن العالم لفلوك الذي يعارض الدعم الحكومي للطاقات المتجددة، لا يغلق الباب كاملاً في وجوه أنصاره، فهو يقول إن هذه الطاقات هي مخترعات جديدة، ولكي يشاع استخدامها فهي بحاجة إلى فترة من الوقت تربو على الأربعين عاماً، كما المخترعات الأخرى التي غيرت وجه حياتنا مثل استخدام الطائرات ومشاهدة التلفزيون وغيرها.

ونحمد الله، في هذا الوسط من الجدل، أن بلادنا العربية تقع وسط منطقة تسطع عليها الشمس طوال السنة تقريباً، فضلاً عن امتلاكنا لصحارى مترامية الأطراف، وبالتالي فنحن مهيؤون أكثر من غيرنا للاستفادة من إمكانيات بيئتنا. وهو الأمر الذي يفسر لنا قيام مشاريع ضخمة لتوليد الطاقة الكهربائية باستخدام الشمس في المغرب، ومحطات تحلية المياه المزمع إقامتها في السعودية، ومدينة مصدر المعتمدة كلياً على الطاقة المتجددة في الإمارات الشقيقة.

 

Email