العراق على عتبة التغيير

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعتبر الحالة الداخلية العامة في العراق، من أكثر حالات البلدان العربية تفرداً في النوع. طبيعة الفرد والمجتمع العراقي وتركيبته الإثنية غير العادية، تترك بصمات واضحة على آفاق سير الحياة العادية والسياسية المستقبلية. المجتمع العراقي مكون من مزيج من الإثنيات القابلة لبث الفتن والحروب الأهلية والداخلية فيها. حروب بين المذاهب والأعراق والأديان والقوميات، قد تستعر حال توفر الظروف والإمكانيات، والتدخلات والمساعدات من الخارج. بدورها فالقيادات العراقية الطائفية، المذهبية والعرقية، ميالة إلى التباهي والتنافس والتناحر. لا يروق لها تقديم تنازلات في اتجاه التسامح والتصالح والتراضي.

أضاف الاحتلال الأمريكي للعراق عوامل من شأنها أن تضيف وحلاً إلى المستنقع العراقي. بادر الاحتلال بفرض دستور يجسد ويدعم ويذكي نار الانقسام بين الطوائف والفئات والأعراق والأحزاب. لم يتعظ من الحالة اللبنانية في التعامل على أساس طائفي، والتي تبقي الأفراد والمجاميع في حالة من الاستقطاب والاستنفار والتحيز الطائفي الأعمى. المحاصصة الطائفية حالة سهلة الاستغلال، خاصةً من لدن الأطراف الخارجية لاستدراج الجماهير ووضعها في أتون حروب طائفية تبدأ ولا تنتهي.

العراقيون مبتلون بطبقة من السياسيين من ذوي الخلفية والنفس الطائفي، يتميزون بضيق الأفق الاجتماعي والفكري والسياسي. لا يتعاملون مع الأوضاع العامة للشعب بتخطيط طويل الأمد. جل همومهم الحصول على الثروة والبقاء في السلطة ما أمكنهم ذلك. يتركون البلاد والشعب في حالة يرثى لها؛ اجتماعياً واقتصادياً وإدارياً وأمنياً، وعلى مستوى الخدمات الحيوية اليومية العامة. يحبون الظهور في حالة من الكشخ والبذخ والثراء الفاحش، ولو على حساب فقر وأنّات طبقات واسعة عريضة من الشعب.

الطائفية في العراق مرض بل وباء عام، إن يُترك وشأنه، ينخر في، بل يعصف بعضد وعظم وعصب الشعب العراقي. آخر مظهر من مظاهر ذلك الوباء، استهداف مكون من الشعب وتسليط كافة الإجراءات ضده. المكون السني العربي، رسمياً كمسمىً، برز إلى الوجود بُعيد الاحتلال الأمريكي. ذهب البعض إلى توجيه تهمة الإرهاب إلى ذلك المكون، بشكل جماعي أعمى، على أساس أنه كان الأقرب للنظام العراقي قبل الاحتلال. تُمارس ضده كافة الإجراءات القانونية وغير القانونية، والمقبولة واللا-مقبولة إنسانياً وحضارياً. بدرجة أو درجات أقل من القانونية والقسوة والعنف، يتم التعامل مع المكونات الأخرى للمجتمع. ذلك ما يخلق امتعاضاً عاماً، ليس فقط داخل المكون السني، بل ولدى المكونات الأخرى من شيعة وأكراد وطوائف وأقليات أخرى، من ذوي الغيرة والمشاعر الوطنية المشتركة.

يقود المكون السني الآن الثورة أو حركة التغيير ضد النظام المركزي "المذهبي الطائفي". جملة المطالب المتراكمة يصعب على الحكومة المركزية تلبيتها، كلياً أو حتى جزئياً. بعض المطالب تعيد العملية السياسية إلى المربع الأول، في مقدمة للتخلص من النظام السياسي. نظام أصبح يشكل عبئاً على كاهل كل الشعب، بمختلف مكوناته. أهل ما يُعرف بالمكون السني يخرجون، وتقريباً عن بكرة أبيهم، إلى ساحات الاعتصام، بعد أن وصلت اختراقات حقوق الإنسان في حقهم إلى الأعراض والأموال والممتلكات الخاصة والعامة. وصل الأمر بأركان الحكومة المركزية إلى التنكر السري والعلني للرموز الدينية السنية! من الأشخاص والتماثيل والمساجد والمعابد.

يواجه رئيس الوزراء العراقي، كرمز أساسي وشبه مطلق للعملية السياسية المتعثرة، وضعاً صعباً، ويتفاقم. لم يتخذ الإجراءات العملية الكافية للحيلولة دون تفاقمه نحو الأسوأ. يضع نفسه ومن معه في مواجهة مع الشعب خاسرة. لم يستفد من تجارب غيره من الأنظمة السياسية المجاورة والبعيدة. ينظر إلى الأمور بسطحية ولاواقعية؛ مع ثقة بالنفس لا قواعد داعمةً لها، لا لدى أركان الحكم نفسه ولا الجيش ولا حتى الطائفة والحزب اللذين ينتمي إليهما.

أغلب الظنون تشير إلى توجه الرأي العام العراقي برمته، إلى الانتفاضة العامة الشاملة أو الثورة العارمة. لا عجب في ذلك، فكافة فئات الشعب العراقي تعاني الفقر والحرمان والتخلف، في الخدمات والامتيازات والحقوق. حركة التغيير في العراق إن تنجح فسوف يستفيد منها الجميع، تقريباً دون استثناء وعلى قدم المساواة.

 

Email