معضلة الأمن الغذائي في جنوب شرق آسيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

إذا سافرت في أرجاء جنوب شرق آسيا، فإنك حيثما مضيت ستجد نفسك أمام تماثيل لبوذا في وضعية التأمل، التفكير، الدعوة للسلام أو لهطول المطر. وتتنوع هذه الأوضاع المتعددة، وكل منها له مغزاه، ولكن وضعاً واحداً منها فقط هو الذي يظهر بوذا مبتسماً بالفعل، وذلك هو وضع تمثال بوذا الذي يبدو بديناً وجالساً على مقعد، وقد بلغت معدته من الضخامة بحيث يبدو أنه عاجز عن النهوض. قد يبدو هذا غريباً في ضوء أن البوذية بصفة عامة ذات طابع صوفي، والوصول إلى الاستنارة يفترض أن تخفف تطلعك إلى الثراء والأمور المادية، وأن تكتفي بما هو متوافر لديك.

ولكن البوذيين، شأن الجميع، لا بد لهم أن يأكلوا، وفي هذا الجزء من العالم فإن هذا هو التحدي الدائم لمعظم الناس، ولذا فإن بوذا المبتسم تعود ابتسامته إلى أنه وصل إلى الوضعية التي لم يعد يقلق فيها بشأن الحصول على ما يكفي من الطعام، فهو أخيراً مغتبط وبالغ السعادة. وتعد فيتنام بحسب إحصاءات وكالة المخابرات المركزية الأميركية، البلد الذي لديه معدل بدانة أكثر انخفاضاً من أي بلد آخر على وجه الأرض، وفوق فيتنام بقليل في أسفل القائمة تأتي لاوس، ولا يرجع هذا إلى أن الفيتناميين واللاوسيين من المتمسكين بخطط الأنظمة الغذائية التي تتضمن مراعاة عدم زيادة الوزن، وإنما يرجع إلى أن الكثير من أبناء هذين البلدين ليس لديهم بصفة عامة ما يكفي من الطعام.

ويحب بعض الفيتناميين القول إنهم يحسدون البدناء، وقد تابعت في لاوس رجلاً من أبنائها يربت في مداعبة على بطن سائح أميركي بدين، ويبتسم وقد تردد صوته مفعماً بالحسد وهو يحني رأسه للسائح ويقول: جيد، جيد.

وقد تمكنت وكالة المخابرات الأميركية من الحصول على إحصاءات البدانة بالنسبة لأقل قليلاً من نصف دول العالم، وتبدو كمبوديا وماينمار بالتأكيد قرب أسفل القائمة أيضاً، وبينما تتغير ماينمار ببطء فإنها، شأن الدول الأخرى، قد حكمها على امتداد وقت طويل حكام ظلاميون لا يكترثون بأبناء بلادهم.

وقبل خمس سنوات مضت أجرى برنامج الغذاء التابع للأمم المتحدة دراسة شاملة لأطفال لاوس، ووجد أن نصفهم يعانون من سوء التغذية الشديد في الأعوام الأولى من أعمارهم، الأمر الذي يرشحهم للإعاقة الذهنية والبدنية، وهو ما يعني بالطبع أنهم عندما يكبرون سيكونون قصار القامة ولا يتمتعون بالألمعية. وبعد خمس سنوات تقدر منظمة اليونيسف نسبة الإعاقة في لاوس بنحو 48٪، ولا تغيير. وفي كمبوديا تصل هذه النسبة إلى 40٪، وتصل في فيتنام إلى 31٪، وفي بورما إلى 35٪، وبالمقارنة، فإن النسبة في المكسيك، وهي ليست دولة غنية، تصل إلى 16٪.

تصف لاوس نفسها بأنها مجتمع شيوعي، الأمر الذي يعني أنه يفترض أن تجلب العمال إلى الاقتصاد بالمعنى الأكثر عرضاً، ولكن الحكومة تتجاهل معظم شعبها تماماً ولا توفر لهم شيئاً تقريباً. وتقول وكالات الإغاثة في لاوس، إن أهدافها "موضوعة على أساس مبرمج"، الأمر الذي يعني أن البرنامج سوف يموت إذا توقفت وكالة الغوث عما تقوم به، والحكومة لا تكترث بما يجري.

النموذج الأكثر وضوحاً اليوم، هو أن لاوس تبني سداً لتوليد الكهرباء على نهر الميكونغ، الأمر الذي يثير الكثير من الشكوى من جانب الدول الواقعة في مناطق ما وراء السد، بما في ذلك كمبوديا وفيتنام. وقد تعتقد أن احتياجات الشعب اللاوسي تتجاوز الشكاوى من الجنوب، وفي نهاية المطاف هناك عدد محدود من الدول معظمها في إفريقيا جنوب الصحراء، توفر كهرباء لسكانها أقل مما توفره لاوس لأبنائها، فإجمالي الكهرباء في لاوس، في المتوسط، 39 واط للشخص الواحد في السنة.

وقد صرح المسؤولون اللاوسيون للصحافيين في معرض إيضاحهم لمشروع السد، في احتفال كبير خلال العام الماضي، بأنهم أرادوا أن يبعدوا بلادهم عن وضعيتها باعتبارها أفقر دول العالم، ولكن منذ ذلك الحين فإن الحكومة بدلاً من ذلك أبرمت اتفاقاً مع جارتها تايلاند، وبمقتضاه فإن التايلنديين سوف يشترون معظم الطاقة التي سيولدها السد الجديد، إن لم يكن كلها.

وهكذا فإن السد بالتأكيد لن يفيد شعب لاوس، فالمال الذي يتم كسبه من التايلانديين سوف يذهب إلى حيث يذهب معظم المال هناك، أي إلى جيوب قادة لاوس. وتحتل لاوس المرتبة 160 بين الدول الـ174 الموجودة في مؤشر الفساد لعام 2012، الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية. وقالت لي كاترين ستيوارت السفيرة الأميركية لدى لاوس، إنه كنتيجة لذلك: "حدث تحول في صفوف المانحين، فهم يبتعدون عن دعم مشروع السد". في مختلف أرجاء العالم، غالباً ما يعد الدين ملاذاً وموئلاً للفقراء، والعديد من الدول البوذية شديدة الفقر، والحقائق الأربع النبيلة التي حدث بها بوذا أتباعه، تؤكد لهم أن بمقدورهم الوصول إلى "النيرفانا"، بالتخلي عن التطلعات الحسية، والاستغراق في الذات، والوصول إلى التخلي عن التطلع إلى الأشياء المادية.

ولكن، عندما تعرض المعابد البوذية على امتداد هذه المنطقة من العالم بفخر بالغ تماثيل قديمة لبوذا، نموذجها المثالي، وهو في أكثر أوضاعه بهجة، حيث يبدو وقد ارتسمت على شفتيه أعرض ابتسامة يمكن تخيلها بسبب بدانته، فإنك تعلم أنه على امتداد العصور كان أكبر اهتمام للناس هو الحصول على ما يكفي من الطعام.

 

Email