مواقف دولية من الأزمة السورية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتنازع الأزمة السورية ثلاثة مواقف تؤثر كل منها في هذه الأزمة تأثيراً هاماً وجدياً وأحياناً مفصلياً، وهي مواقف السياسة الروسية والإدارة الأميركية والموقف الأوروبي، ولكل منها دوره الهام في رسم مسار الأزمة السورية المقبل وتأثيره الأكيد، ولاشك أن هناك تباينات بين هذه المواقف، وهي وإن كانت نادراً ما تصل إلى درجة التناقض، إلا أنها تبقى بالإجمال غير موحدة ولا قريبة تماماً بعضها من البعض الآخر.

من الواضح أن الموقف الروسي يتبنى النظام السوري ولذلك يدافع عنه منذ بداية الثورة، وبجد له المبررات، مع أنه أعلن صراحة على لسان الرئيس بوتين أنه لايدعم الرئيس الأسد شخصياً وليس معنياً ببقائه، وإنما يخشى من سقوط النظام وحدوث فوضى.

وانتصار الفئات الإسلامية المسلحة التي تحارب النظام، وبالتالي ما يعني ضمناً احتمال فرض نظام إسلامي على سوريا يكون مهيئاً لمساعدة التنظيمات الإسلامية في القوقاز وخاصة الشيشان منهم، وعلى ذلك لا يخلو الموقف الروسي من رؤية مخاطر عليه نفسه من نجاح المعارضة الإسلامية السورية.

وكأن الأزمة السورية تلامس الوضع الداخلي الروسي. هذا فضلاً عن مصالحه الأخرى في سوريا، وخاصة تصدير السلاح إليها والسماح للجيش الروسي باستخدام ميناء خاص في طرطوس لخدمة قواته البحرية. مع ملاحظة أن سوريا هي موطئ القدم الأخير لروسيا في حوض المتوسط وفي البلدان العربية ، إضافة إلى الضغوط الإيرانية على روسيا لاتخاذ هذا الموقف. ومن المعلوم أن المصالح الروسية في إيران كبيرة جداً سواء من الناحية الاقتصادية أم من ناحية الموقع الجغرافي والناحية السياسية أيضاً.

ولعل ذلك كله ما جعل روسيا تصر على رفض تنحية الرئيس الأسد، وتتجاهل مواقفه العنيفة والدموية من الشعب السوري، وخلاصة الأمر تسعى السياسة الروسية بالنهاية لإجراء إصلاحات في النظام دون تغييره تغييراً بنيوياً وجدياً.

أما الموقف الأميركي فرغم الصخب الذي أثارته وتثيره السياسة الأميركية منذ بداية الثورة، فهو موقف حذر، ولم يقل ولا مرة بتغيير النظام السوري، وكل ما طرحه هو تنحية الرئيس، وهذا الطرح هو ذر للرماد في العيون، فتنحية الرئيس تختلف عن تغيير النظام، الأمر الذي لم يلفظه أو يصرح به أي مسؤول أميركي كبيراً كان أم صغيراً، ويبدو أن السياسة الأميركية غير مستعجلة على حل الأزمة السورية لأكثر من سبب، أولها على أمل أن يتم تدمير سوريا تدميراً كاملاً (اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً) .

وتحويل مجتمعها إلى مجتمع طوائف، وهو الحل الذي يرضي السياسة الإسرائيلية التي يرى بعض المراقبين أنها اشترطته منذ الشهر الأول للثورة على الولايات المتحدة، كشرط سابق لتغيير النظام. وثاني الأسباب هو خوف هذه السياسة من زيادة قوة ومنعة التيارات الإسلامية المسلحة التي تحارب النظام، وخشيتها من أن تتسلم السلطة فيما إذا سقط، حيث تقع الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة في ورطة كبيرة، إذا حدث ذلك، وهذا ما حدا بالولايات المتحدة للبحث عن مبررات لتأخير تقديم المساعدات الجدية للمعارضة السورية السياسية والمسلحة.

كالسلاح والغذاء والدواء، فتارة تجد مبرراً في انقسامات المعارضة، وتارة أخرى تبدي خشيتها من قوة المنظمات الإسلامية (جبهة النصرة وأمثالها) وفي الخلاصة مازالت السياسة الأميركية تماطل في اتخاذ موقف جدي تجاه الأزمة السورية، وتبدي الحذر الكبير في تحقيق تأثير فاعل بحلها.

أما الموقف الثالث الرئيس فهو الموقف الأوروبي (وخاصة الفرنسي والبريطاني) الذي يرى، خلاف رأي الموقفين السابقين، ويعتقد أن عدم تزويد المعارضة السورية المسلحة بما تحتاجه سوف يترك فراغاً يساعد على نمو تنظيمات المعارضة الإسلامية المسلحة التي سوف تستفيد من تراجع الجيش الحر وضعف تسليحه لتتقدم خطوات إلى الأمام.

كما يرى الموقف الأوروبي استحالة أن ترث المنظمات الإسلامية النظام السوري إذا سقط لأسباب عديدة، وعلى ذلك فهي تقول بضرورة تقديم الدعم السياسي للمعارضة السياسية وتزويد المعارضة المسلحة بالسلاح حتى تملأ الفراغ وتتأهل لوراثة النظام بعد سقوطه.

وفي ضوء ذلك من المتوقع أن تزود الدول الأوروبية المعارضة السورية بالسلاح خلال أسبوعين، وأن تدعمها دعماً كاملاً لتستطيع (سياسيا وعسكرياً) إسقاط النظام وإقامة نظام ديمقراطي تعددي تداولي، ورغم أن أوروبا بالعادة لا تذهب بعيداً عن السياسة الأميركية، إلا أنها استنّت لنفسها هذه المرة سياسة أخرى كما يبدو. وهي تراهن على أن تزويد المعارضة بالسلاح سيحسم الموقف لغير صالح التنظيمات الإسلامية المتطرفة.

 وهكذا تتجاذب الأزمة السورية هذه المواقف الدولية الثلاث التي تتسابق لتطبيق خططها وإنجاح رأيها ومواقفها، وينبغي التنويه، بما يراه المراقبون، من أن الشعب السوري والمعارضة السورية يرفضان، حتى الآن، أي حل بدون تنحية الرئيس الأسد ووضع الجيش والأمن تحت إمرة الحكومة الانتقالية، ويقولان باستحالة أي حل بدون هذين الأمرين ، وعلى ذلك فهما أقرب إلى الموقف الأوروبي وهذا ما قد يساعده . أما الموقف الروسي الداعم للنظام تقريباً والموقف الأميركي الموارب، فهما بعيدان عن قبول الشعب السوري ومعارضته السياسية والمسلحة.

بقيت الإشارة إلى أمر هام، هو أن عدم حل الأزمة السورية أو البدء بحلها، ربما يساعد على نقلها لدول الجوار، وتحولها إلى أزمة إقليمية تتضرر منها دول العالم جميعها، بما فيها السياسات الثلاث السابقة، وهذا ما يدعوها إلى بذل جهد استثنائي للوصول إلى حل حتى لو كان مفروضاً .

 

Email