الربيع العربي والحروب الأهلية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعتبر منطقة الشرق الأوسط من أكثر مناطق العالم قابليةً لبث حروب أهلية طائفية فيها، باردة وساخنة وما بينهما. يعود ذلك إلى طبيعة التنوع العرقي والديني والمذهبي، وما دون هذا وذاك من تقسيمات. أجهزة التنشئة والتربية والتعليم في المنطقة، من الضعف والتخلف والعجز بمكان، بحيث يكاد ينعدم تطبيق تعاليم التسامح ما بين الطوائف والأعراق والفئات المختلفة. القائمون على أجهزة التربية والتعليم والتثقيف، لم يبذلوا الجهود الكافية لتوطيد إيجابيات الاختلافات العقائدية والفكرية، في عقول الأجيال. لهذه الأسباب وغيرها، تواجه الديمقراطية صعوبات جمة في الولوج والتغلغل في فكر المجتمعات التي يطرق ربيع التغيير أبوابها.

مقومات الحروب الأهلية تكمن ليس فقط في الاختلافات العقائدية والطائفية، فالصراع على السلطة وغنائم نجاح ربيع التغيير، تدفع رفاق سلاح الأمس إلى أن يكونوا ألد أعداء اليوم والغد. هنالك تخوّف من وقوع حروب أهلية في ليبيا ومصر واليمن والعراق وسوريا، ومن يأتي دوره في جولة ربيع التغيير. في تلك الدول برز دور العامل الخارجي المتمثل بوجود "هاجس المؤامرة"، كمثبط للجوء فئات الشعوب المنتفضة الهائجة لأن ترتد على أنفسها. في ذلك يزعم البعض أن إحدى أجندات القوى الخارجية، هي إثارة نعرات طائفية تؤدي بسهولة إلى وقوع حروب أهلية، وما ينتج عنها من محاولات انفصال وتقسيم الأوطان، وحروب داخلية مستدامة.

حركات التغيير والحكومات العربية العتيدة، لم تصل بها درجة "اللاوعي بأنفسها" إلى الانزلاق بسهولة في مستنقع الحروب الأهلية. لم تزل هنالك دوافع للحرص على الاستقرار، والروح والضمير والوعي الذي يثبط التوجهات الهوجاء في اتجاه حرب أهلية، وقعت أو على وشك الوقوع. لكن تبقى نزعة الانفصال والحفاظ على السلطة والسيادة، مهما تكن ضيقة، هي المسيطرة على عقليات كثرة من الزعماء السياسيين التقليديين. المخاوف لا تزال قائمةً أن تتطور المواقف لدى الطوائف وقادتها، بسبب الاستمرار في نهج الشحن الإعلامي الطائفي والعقائدي، والحشد العسكري والسياسي المصاحب.

تنتشر لدى الشعوب العربية ظاهرة قديمة حديثة، تسمى ظاهرة التكفير. التكفير هو محاولة بائسة للاستئثار والاستحواذ على قرار ومصير الآخرين، عن طريق الزعم أو الاعتقاد بالأكثر قرباً من المصادر الأصل للفكر. يستخدم سلاح الفتاوى، فتاوى دينية أو سياسية أو مزيج منها، ضد كل من يتنكر أو يعترض على منهجيات وأساليب معينة. ظاهرة يمكن أن تنتشر على شكل وباء، مرتعه المناطق المتخلفة تعليمياً وثقافياً وحضارياً واقتصادياً، وديمقراطياً قبل هذا وذاك. ظاهرة تجد أسواقاً رائجة لبضائع التكفيريين، مما يعود بالوبال على المجموعات التكفيرية وأتباعها على حد سواء.

هنالك تيار برز كإحدى تبعات نجاح حركات الربيع العربي، ويتلخص بميل البعض من المنتصرين إلى الانتقام من أركان وأنصار وأتباع وأيتام الأنظمة السابقة. أحياناً وصلت الحالة بالشعوب الخارجة من المخاض العسير للتغيير، إلى تصرفات لامسؤولة قد تؤدي في النهاية إلى الولوج في أتون حروب أهلية يصعب الخروج منها. مثلاً، المحاكمات تُعقد لرموز العهود السابقة، ومعها يحدث اصطفاف أو استقطاب قوى بهذا الشكل أو ذاك.

 أزلام وأتباع الأنظمة السابقة لم يخرجوا من أرحام حجرية؛ من بين الشعوب لهم أنصار وأتباع وأيتام، يجب بذل الجهود الحقيقية لإعادة تأهيلهم واستيعابهم في أركان النظام الجديد. هؤلاء إن لم تُحترم حقوقهم فهم قادرون على استرجاع مكانة قوية مؤثرة لهم، وبدعم ولو متواضع من قوى خارجية ذات وزن معتبَر على الساحة الدولية.

لتجنب حروب أهلية واضطرابات وأعمال عنف، يجب إقامة نظام ديمقراطي واع وسليم، يراعي حقوق الجميع. نظام ينظر إلى المستقبل بكل تفاؤل وبعد عن إثارة الكراهية وحب الانتقام من تبعات عصور ظلام الماضي، وتبعات ما أفرزته حركات الربيع العربي نفسها.

 

Email