الغاز العربي.. نقمة أم نعمة؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل يكرر التاريخ نفسه أو يعيد ذاته؟ عند كارل ماركس، أنه إذا فعلها، ففي المرة الأولى يصبح مأساة، وفي الثانية ملهاة، فيما يرى مارك توين، أن التاريخ لا يكرر نفسه، لكن أحداثه تتشابه كثيراً.

ونحن بدورنا نتساءل، هل هي مصادفة قدرية أم موضوعية، أن نطرح هذا السؤال ونكرره من جديد، بعد عقود تساءلنا فيها هل النفط العربي نعمة أم نقمة؟ في تقرير أخير لها، أشارت مجلة «oil & gas invertos»، نقلاً عن دائرة المسح الجيولوجي الأميركية، إلى الثروة النفطية والغازية في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، والتي تبلغ نحو 1,7 مليار برميل من النفط القابل للاستخراج تقنياً، ومع أقصى احتمالات، قد يصل المخزون إلى 3,7 مليارات برميل.

ويشمل الحوض الشرقي للبحر المتوسط، الشريط البري لسواحل سوريا ولبنان وفلسطين ـ التاريخية ـ والمياه الإقليمية لهذه الدول إلى غاية المياه القبرصية.

أما في ما يخص الغاز في هذا الحوض، فقد أشار التقرير إلى أن الاحتياطي المتوسط القابل للاستخراج تقنياً يبلغ 122 تريليون قدم مكعبة من الغاز، وقد يصل في أقصى تقدير إلى 227 تريليون قدم مكعبة.

ولما كان الغاز الطبيعي عالمياً هو الأنظف في استخدامه، والصديق بدرجة متقدمة للبيئة، والأرخص في تكاليف استخراجه، كان التساؤل، هل للطبقة الحقيقية الحاكمة حول العالم أن تترك مثل هذا الكنز وحاله، أم تسعى وراءه لتعظيم الاستفادة منه، حتى وإن كان على جثث مواطني الدول التي تحلق من حوله؟.

من هنا كانت الحروب، وأغلب الظن أنها ستستمر إلى حين، وقد بدأت بالفعل في ليبيا، وقائمة الآن في سوريا، وغداً ربما نشهدها بين مصر وإسرائيل، أو إسرائيل ولبنان، وحتى حدود تركيا.

ومع ما جرى في لبيبا، تساءل الكثيرون، لماذا فرنسا تحديداً هي رأس حربة الناتو هناك؟ والجواب لا يوفر علاقة الغاز، ففي 2007 اكتشفت شركة توتال النفطية الفرنسية حقل غاز طبيعي هائل في ليبيا، أطلق عليه اسم NC7 ويقع غربي البلاد.. لماذا تعبير «هائل» المتقدم؟ ببساطة شديدة، لأنه «من شأنه أن يكفي حاجة أوروبا من الغاز لمدة 30 سنة»..

هل لهذا رأينا أوروبا المترنحة مالياً، تسارع إلى إطلاق عملية «رياح الجنوب 2011»، بالتعاون الفرنسي البريطاني وبسرعة البرق، لإسقاط القذافي، واتخاذ أحاديث الربيع العربي كستار لإقناع الرأي العام العالمي بضرورة سحق نظام ديكتاتوري؟.

الحديث مليء بالرؤى والأحاجي والحقائق، التي تؤكد أن ما جرى في ليبيا هو الحلقة الأولى من سلسلة حروب الغاز العربي. لنمض سوياً إلى المثلث الذي تتشارك فيه إسرائيل ومصر ولبنان، على الأقل في حوض الغاز المكتشف، وهل هذا الاكتشاف سيدفع إسرائيل لحروب من عينة أخرى؟.

بتاريخ 19 سبتمبر الماضي، كتب روبين بدهتسور من صحيفة هآرتس، تحليلاً سياسياً في هذا الشأن، نقل فيه عن مصادر واسعة الاطلاع في تل أبيب، أنه ستعرض على حكومة نتنياهو خطة لتدعيم قدرات البحرية الإسرائيلية، وذلك بشراء أربع سفن عسكرية جديدة، ستكون مهمتها حماية طوافات البحث عن الغاز في البحر واستخراجه خارج المياه الإقليمية الإسرائيلية، لمسافة تمتد 150 كيلومتراً في مياه البحر المتوسط.

هل نحن إزاء نظرية قتالية بحرية إسرائيلية جديدة، يقف الغاز وراء تخليقها؟ يبدو أن ذلك كذلك بالفعل، فحسب رؤية تحليلية للعسكرية الإسرائيلية، فإن توسيع نطاق عمل البحرية العسكرية الإسرائيلية، هو تطوير لنظرية قتالية، أملاها اختلاق حكومة نتنياهو لنظرية توسعية في البحر، أطلقت عليها اسم «الماء الاقتصادي لإسرائيل». أين تتشابك المأساة السورية مع الغاز المكتشف شرق أوسطياً، والذي هو في معظمه عربي، لولا الأطماع الإسرائيلية؟

الجواب معقد ومتشابك بين أوروبا وروسيا وسوريا.. وقد فككته مجلة «فورين بوليسي» الأميركية الشهيرة، عبر تحقيق نادر في صدقيته مؤخراً، وفيه أن «أوروبا في حاجة إلى غاز إسرائيل عبر سوريا حتى تتحرر من روسيا»..

ماذا يعني ذلك بشيء من التفصيل؟ يعلم القاصي والداني كيف أن روسيا ــ بوتين تستغل صادراتها لأوروبا من الغاز كأداة ضغط سياسي، ولهذا فإن الأوروبيين حتماً يبحثون عن البديل الأنفع والأرفع، وربما يتمثل هذا في تغيير الأوضاع في سوريا، وحال غياب أو تغييب نظام الأسد، فإنه سيكون هناك مستقبل آخر لحزب الله، ولأمن الحدود الشمالية الإسرائيلية، وقد يؤدي ذلك إلى استعادة التفاوض على اتفاق بشأن الحدود البحرية المشتركة بين إسرائيل ولبنان، وسهولة ويسر في تصدير إسرائيل غازها المسال إلى أوروبا، عبر أنابيب تمر بلبنان، وربما بسوريا، ومنها إلى اليونان وبقية دول أوروبا.

هل من قبيل العشوائية أن تسلم واشنطن ـ كما كشف مسؤول أميركي كبير لصحيفة هآرتس الإسرائيلية - لبنان وإسرائيل خريطة جديدة تتعلق بتسوية الخلافات المتعلقة باستخراج الغاز الطبيعي شرقي البحر الأبيض المتوسط؟.

مؤكد أن الأمر يعني أن واقعاً جديداً يرتسم في الأفق، ستتغير فيه الصورة، وسينتزع منها عنصر الممانعة أو المقاومة، وأن الأوضاع في سوريا إلى تغيير لا محالة، وأن الربيع العربي ليس إلا أكذوبة كبيرة لمخططات عالمية، يدفع العرب ثمنها للأسف، لا سيما من النفط والغاز الذي يملكونه، طالما بقي في الأرض وخارجها ليس ملكاً لهم.

 

Email