سياسة اليابان الخارجية في المرحلة الراهنة

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما تسلم رئيس الحزب الديمقراطي في اليابان، يوكيو هاتوياما، رئاسة الوزارة بعد انتصار حزبه في انتخابات 2009، أكد على أن التفاهم الصيني - الياباني سيشكل حجر الزاوية في بناء الوحدة الآسيوية، ودعا لإعادة النظر في العلاقات الاستراتيجية بين اليابان والولايات المتحدة، وللعمل على إزالة التواجد العسكري الأميركي على أرض اليابان وفي موانئها البحرية.

لكن سنوات حكم الحزب الديمقراطي في اليابان ما بين 2009 و2012، تزامنت مع أحداث اقتصادية وسياسية وكوارث طبيعية، كان لها أثر واضح في هزيمة هذا الحزب وإخراجه من السلطة بعد انتخابات 16 ديسمبر 2012.

فقد اجتاحت الأزمة العامة العالم الرأسمالي منذ نهاية 2008، وتركت آثارا سلبية جدا على الاقتصاد الياباني، فتراجع النمو الاقتصادي فيها، وأصيب الاقتصاد الياباني بمرحلة من الركود ما زالت مستمرة حتى الآن.

في المقابل، ساهم النمو الاقتصادي الهائل الذي حققته الصين خلال السنوات الثلاث الماضية، في تعزيز دورها على المستويين الإقليمي والدولي، فأزاحت اليابان عن المرتبة الثانية في الاقتصاد العالمي منذ العام 2011.

كما أن الزلزال الكبير الذي ضرب اليابان في 11 آذار/مارس 2011 وما أعقبه من تسونامي الأمواج العاتية وإشعاعات نووية، ألزم اليابان برصد أكثر من 300 مليار دولار لمواجهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة، بالإضافة إلى خروج مناطق واسعة من اليابان من دائرة الإنتاج والعمل، بسبب الإشعاعات النووية، والركود الاقتصادي، والين المرتفع، والأزمات الداخلية المتنوعة.

وتبخرت أحلام الحزب الديمقراطي في تعزيز العلاقات مع الصين عام 2012، في أعقاب تفاقم مشكلة جزر سينكاكو/ دياويو التي تدعي ملكيتها كل من اليابان والصين. وبدا واضحا أن اليمين الياباني المتطرف هو الذي حرك مشكلة تلك الجزر، عن طريق ادعاء أحد اليابانيين لملكيتها.

ثم أرسل زعيم اليمين المتطرف وحاكم طوكيو السابق "إيتشيهارا"، ابنه لمفاوضة الصين على شراء تلك الجزر، مما اضطر حكومة اليابان إلى شرائها من صاحبها الياباني بسبعة ملايين دولار، لنزع فتيل الأزمة مع الصين. لكن الأزمة أثارت ردودا صينية شاجبة لهذا التصرف غير المسؤول، عبر شراء جزر صينية من قبل اليابانيين، دون أن تبدي الصين رغبة في بيعها أو تأجيرها.

فتوترت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وصولا إلى دوريات بحرية جوية لكلا الطرفين قرب جزر خالية من السكان، لكن المياه المحيطة بها تحتضن كميات كبيرة من النفط والغاز.

اعتبرت الصين أن تبني حكومة اليابان لسياسة اليمين المتطرف وشراء الجزر لتصبح ملكية الدولة اليابانية، بمثابة مهزلة حقيقية في مجال الدبلوماسية، فأطلقت العنان لمظاهرات صاخبة ضد المصالح اليابانية في مختلف المدن الصينية.

وزادت حدة المواجهة اليومية بعد أن باتت سفن وطائرات البلدين تدور حول الجزر المتنازع عليها، وتهدد بصدام دموي ما لم يبادر قادة الصين واليابان إلى وضع حلول فورية لهذه لأزمة.

وأضيفت إلى توتر العلاقات بين اليابان والصين، توترات أخرى بين اليابان وكوريا الجنوبية بسبب ملكية جزر توكوشيما، ومع كوريا الشمالية بسبب برنامجها النووي الذي يهدد أمن اليابانيين واستقرارهم.

ومع تصاعد حدة الخطاب القومي الشوفيني لدى اليابانيين والصينيين بسبب ملكية الجزر المتنازع عليها، تأزمت العلاقات بين الجانبين، وبات التوتر بينهما من أكبر التحديات التي تواجه الوحدة الآسيوية في المرحلة الراهنة.

وأظهر الحزب الديمقراطي أثناء حكمه، أنه غير مستعد لتقديم أي تنازلات للصين أو للتراجع عن تأكيد ملكية اليابان لتلك الجزر، مع ما يستتبع هذا التوجه من ضرورة تعزيز القدرات العسكرية الأميركية اليابانية، وإقامة التحالفات الضرورية لحماية أمن اليابان ومصالحها الاستراتيجية.

وإلى جانب الانتصار الكاسح الذي استحقه الحزب الليبرالي الديمقراطي اليميني، حقق تحالف اليمين المتطرف بزعامة إيتشيهار مع حاكم أوساكا، زعيمي "حزب النهضة اليابانية"، انتصارا كبيرا في انتخابات 16 كانون الأول 2012، وبات له 54 مقعدا، مما دفع الحزب الليبرالي الديمقراطي المنتصر إلى المطالبة بتعديل دستور اليابان السلمي الذي يمنع عليها التسلح، وذلك بهدف تعزيز قدرات اليابان العسكرية لمواجهة ما يصفه اليمين القومي الياباني بالأطماع الصينية للهيمنة على جنوب وشرق آسيا.

نتيجة لذلك، سارعت اليابان إلى تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة، وفق الاتفاقيات السياسية والعسكرية المبرمة، والعمل على حل مشكلة الوجود العسكري الأميركي المستمر على أرض اليابان وفي موانئها، بالطرق الدبلوماسية.

وبات من الواضح أن التدخل الأميركي في شؤون دول جنوب وشرق آسيا، سيزداد في المرحلة القادمة بعد نقل أعداد كبيرة من الجنود الأميركيين من منطقة الشرق الأوسط إلى قواعد عسكرية أميركية في جنوب وشرق آسيا، وتعزيز المراكز العسكرية الأميركية بسفن بحرية.

ويشير بعض المعلومات الصحفية إلى أن رئيس وزراء اليابان الجديد (شينزو آبي) سيزور الولايات المتحدة قبل زيارته للصين، مما يؤكد تمسك اليابان بالعلاقات الاستراتيجية مع أميركا والاعتماد عليها في الحوار مع القيادة الصينية الجديدة.

بعد نجاح الخط اليميني المتشدد، فإن سياسة اليابان الخارجية تتجه إلى مزيد من تصعيد الأزمة مع الصين، مقابل تعزيز التحالف مع الولايات المتحدة.

لكن تصريحات قادة البلدين تشدد على ضرورة حل الأزمة بالطرق السلمية، لتجنب كل أشكال التدخل الخارجي، وبشكل خاص التدخل الأميركي في الشؤون الآسيوية، وليس من شك في أن حكمة القيادات الآسيوية كفيلة بحل تلك المشكلات بالطرق الدبلوماسية.

ويدرك الجميع مخاطر الصدامات الدموية التي تضعف الدول الآسيوية، وتمنع قيام الوحدة الآسيوية التي يحلم بها الآسيويون، لأنها تؤهلهم لجعل القرن الحادي والعشرين قرنا آسيويا بامتياز. وتواجه اليابان في العام 2013 قوى آسيوية تنازعها على الدور الاقتصادي، لذلك تعمل على تعزيز وحدتها الداخلية لحماية مصالحها الوطنية بالدرجة الأولى.

وتبدو اليابان اليوم منشغلة بالإعداد لإعادة سيطرة الحزب الليبرالي الديمقراطي على مجلسي الشيوخ والنواب، بحيث تتوقف النزاعات السياسية الداخلية التي أضرت بصورة اليابان، وأظهرت عجزها عن مواجهة التبدلات الإقليمية والدولية المتسارعة.

بيد أن نزوع الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم للسيطرة التامة على الحياة السياسية في اليابان، وتزايد قوة اليمين المتطرف في البرلمان الجديد، ينعشان النزعة القومية اليابانية المتشددة، التي تثير مخاوف الدول الآسيوية المجاورة من تجدد النزعة العسكرية في اليابان.

 

Email