أميركا ونفاق الجمهوريين

ت + ت - الحجم الطبيعي

إذا كنتم تريدون رؤية النفاق في ذروته، فما عليكم إلا مراقبة الجمهوريين في مكاتبهم في مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين.

فهم، هناك، يسخرون علنا من اقتراح الرئيس الأميركي باراك أوباما، لمشروع قانون تحفيز بقيمة 50 مليار دولار، لأعمال البنية التحتية التي تعتبر أميركا في أمس الحاجة إليها.

عندما سمع ميتش ماكونيل، زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، بخطة الرئيس، ضحك ساخرا بصوت عال. وفي الوقت نفسه تقريبا، قال بيل شوستر، وهو جمهوري من بنسلفانيا والرئيس المقبل للجنة النقل والبنية التحتية: لن يكون هناك أي تحفيز في أي اتفاق على الميزانية لتفادي الهاوية المالية.

لماذا كل ذلك النفاق؟ لا ينظر معظم الجمهوريين إلى فكرة إنفاق الأموال الفيدرالية على إصلاح الطرق والجسور وغيرها من المرافق الأميركية المتهالكة، وإنشاء الألوف من فرص العمل الجديدة في غمار ذلك، إلا باعتبارها تدنيسا للمقدسات.

ومع ذلك، فإنهم يسعدون تماما بإنفاق مليارات الدولارات على بناء الطرق والجسور والمدارس في الدول الأجنبية، لا سيما في أفغانستان، حيث يعد التفويض بإنفاق الأموال على تحسين البنية التحتية، أشبه برمي النقود في النار.

وفي تقريره الفصلي الأخير، قال المفتش العام الأميركي الخاص بإعادة إعمار أفغانستان، إننا عندما نأخذ حماية عمال الإغاثة بعين الاعتبار، نجد أن الكونغرس قد خصص "ما يقرب من 100 مليار دولار" للمساعدات التنموية منذ عام 2002، ويمثل ذلك كله تقريبا إنفاقا بالعجز، وهو يزيد على ما أنفقته الولايات المتحدة لإعادة بناء أي بلد آخر. وقد وافق الجمهوريون على كل تلك المخصصات دون أي نقاش يذكر.

وأكثر ما يظهر نفاقهم هو أنهم يوافقون حاليا على تخصيص العديد من ملايين الدولارات للمزيد من مساعدات البنية التحتية، حتى في الوقت الذي يقدمون اعتراضات أيديولوجية عنيفة ضد تخصيص ولو بنس واحد لمشاريع مماثلة لناخبيهم في الداخل.

إنهم يستمرون في إرسال المال، رغم أنهم يعرفون حق المعرفة أن أفغانستان من أكثر دول العالم فسادا.

وقبل أيام قليلة فقط، أصدر المفتش العام الخاص بإعادة إعمار افغانستان (المعروف على نطاق واسع بـ"سيغار")، تقريرا خاصا عن الحقائب المليئة بالنقود التي يحمّلها مسؤولون في الحكومة الأفغانية على طائرات، من مطار كابول إلى الخارج بشكل يومي، وبالتأكيد فإن الكثير من ذلك المال عبارة عن معونات أميركية مختلسة.

وفي العام الماضي، عمد "سيغار" إلى تركيب "أجهزة لعد المبالغ الكبرى في المطار، لمراقبة تدفق الأموال"، وذلك وفقا للتقرير. وبعد قيامه بزيارة أخرى للمطار في الشهر الماضي، وجد أن هذه الأجهزة "لم تبد كأنها قيد الاستخدام"، وأن المسؤولين الحكوميين الحاملين لحقائب محشوة بالنقود، كانوا يتجاوزونها تماما.

وفي السنة المالية الجارية، تنفق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، بموافقة الجمهوريين، 20 مليون دولار على المباني المدرسية الجديدة، رغم أن خدمة أبحاث الكونغرس أفادت أخيرا أن "الانتكاسات حدثت بسبب هجوم طالبان على المدارس".

وذكرت الأمم المتحدة أن أكثر من 100 مدرسة تعرضت للتفجير في العام الماضي وحده، وبالنسبة للمدارس المتبقية، فإن عددا قليلا منها هو الذي يتمتع بخدمات الكهرباء أو المياه الجارية.

والمدرسون متعلمون بالكاد، وغالبا لا يتلقون أجورهم، والكتب المدرسية تعود لعقود مضت. تخيلوا ما كان يمكن لـ20 مليون دولار أن تفعله، لو أنها خصصت لمدارس أميركية!

ومثال آخر على هذا الإنفاق المضحك، مشروع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، المسمى على نحو سخيف بـ"آيديا - نيو".

ويهدف المشروع البالغة قيمته 150 مليون دولار، والذي لا يزال قائما، إلى إيجاد فرص اقتصادية جديدة لمزارعي الخشخاش في أفغانستان، لغرض ثنيهم عن هذه التجارة غير المشروعة.

وفي الواقع، فإن مديري هذا البرنامج، بمجرد أن وصلت الدفعة الأولى من الأموال إلى أفغانستان، قرروا أن هذه الفكرة الجديدة لم ترق لهم، وبالتالي فقد بدأوا بإنفاق الملايين على تحسين البنية التحتية، دون أي اعتبار لتجارة المخدرات.

وهم حتى في ذلك المجال لم يفلحوا، حيث استأجرت الوكالة، عددا من العمال لبناء أو إصلاح 377 كيلومترا من أنابيب الري، ولكنهم لم يتمكنوا من إصلاح سوى 40 كيلومترا.

وتقول الأمم المتحدة إن محاصيل الأفيون في أفغانستان، خلال مسار هذا البرنامج حتى الآن، ازدادت في الواقع بنسبة 61٪.

وأفاد تقرير أبحاث الكونغرس، أن الكونغرس يواصل الموافقة على تخصيص المال لبناء الطرق والجسور والمدارس والسكك الحديدية، وتحسين الرعاية الصحية، وزيادة توافر الكهرباء في أفغانستان، وهي كلها جهود متعثرة.

أما في الداخل، فإن الجمهوريين يريدون خفض الإنفاق على برنامجي "ميدي كير" و"ميديك إيد". وهم يرفضون الموافقة على تخصيص المال لإصلاح الطرق والجسور والمدارس والسكك الحديدية، أو لدفن الكابلات الكهربائية للحيلولة دون تعرضها لعواصف مثل عاصفة "ساندي".

وفي حقيقة الأمر، فإن كل ما يريدون فعله هو خفض الإنفاق الحكومي بشدة، دون أن يلقوا بالا للمثال الذي تقدمه لهم أوروبا. فهناك، لا تزال نحو دزينة من الدول غارقة في ركود عميق، نجم عن التخفيضات "التقشفية" في الميزانية، التي تجلب معها تسريحات جماعية لموظفي الحكومة والمقاولين، مما يرفع معدلات البطالة.

 

Email