دراما جديدة يومياً في الشرق الأوسط

ت + ت - الحجم الطبيعي

نشهد الآن اللحظة الأكثر اتساما بالطابع الاستثنائي في الشرق الأوسط، منذ أن بدأت في متابعة أحداثه قبل ربع قرن من الزمن، ويجلب كل يوم معه تطورا كبيرا من النوعية التي تفرض نفسها على الأخبار في كل زمان ومكان.

وربما كان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بمنح فلسطين وضعية الدولة المراقبة، هو الحدث الأكثر إثارة للدهشة، حيث إن 9 دول فقط من إجمالي 193 دولة، قد اعترضت على هذا القرار. وشملت هذه الدول التسع بالطبع الولايات المتحدة وإسرائيل، تضاف إلى ذلك كندا وجمهورية التشيك وبنما. أما الدول الباقية فهي جزر صغيرة في المحيط الهادئ لا أهمية لها، مثل نورو وهي أصغر جمهورية في العالم، يبلغ عدد سكانها 14 ألف نسمة ويحملون الكثير من السمات الخاصة بهم التي لا يحسدون عليها، بما في ذلك أكثر الناس إفراطا في الوزن على كوكب الأرض.

إن ما يجعل هذا كله لافتا للنظر، هو أن معظم المحللين قد خمنوا أنه بعد صراع غزة الأخير، فإن الفلسطينيين سيحظون بتعاطف من الدول الأخرى أقل من المعتاد. ولكن في حقيقة الأمر، فإن المسؤولين في معظم الدول يلقون على إسرائيل باللوم عن المعركة التي استمرت أسبوعا، مشيرين إلى أن مئات الصواريخ التي أطلقتها حركة حماس قد تم إطلاقها في معرض الدفاع عن القطاع. والأكثر من ذلك، أن الولايات المتحدة قد حالت دون تمرير فقرة في بيان صادر عن مجلس الأمن، حول القتال في غزة.

وبعد إصدار قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة حول فلسطين، تعالت هتافات التهليل من جانب فلسطينيي الضفة الغربية، ولكن ذلك قد لا يكون كل ما وقع.

وفي حقيقة الأمر، فإن إسرائيل قد تصدت للأنباء القادمة من الأمم المتحدة، بالإعلان عن مشروعات استيطانية جديدة كبرى، بما في ذلك مشروع قصد به ربط مستوطنة معاليه أدوميم الكبيرة الواقعة في الضفة الغربية، مع القدس. وذلك من شأنه أن يجعل من المستحيل ربط مدينتين فلسطينيتين كبريين، هما رام الله وبيت لحم، مع الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية. وقد أعرب البيت الأبيض والاتحاد الأوروبي والأمين العام للأمم المتحدة جميعا، عن غضبهم الشديد على نحو غير مألوف حيال هذه الخطوة الإسرائيلية.

وفي مصر، أعلن الرئيس المصري محمد مرسي، أن مراسيمه التشريعية محصنة في وجه المواجهة القضائية، الأمر الذي أدى إلى انطلاق احتجاجات هائلة شبيهة بتلك التي أدت إلى سقوط الرئيس المصري السابق حسني مبارك قبل عامين، والكثير من المصريين الآن يصفون مرسي بأنه فرعون مصر الجديد.

وقد صمد مرسي في وجه هذه الاحتجاجات، ثم أرغم الجمعية التأسيسية التي يهيمن عليها التيار الإسلامي، على الانهاء سريعا من صوغ الدستور الجديد، قبل أن تستطيع المحاكم إلغاء الجمعية التأسيسية، وهو ما هددت به فعلا.

وفي غضون ذلك، وضع الثوار في سوريا أيديهم للمرة الأولى على الصواريخ المضادة للطائرات، وأسقطوا طائرة هليكوبتر وطائرة مقاتلة واحدة على الأقل. وقد كانت القدرة على القتل من الجو من عناصر القوة المهمة التي يتمتع بها النظام السوري، والأكثر من ذلك أنه في الأيام الأخيرة قامت دول مهمة، في مقدمتها فرنسا وإيطاليا وبريطانيا، بإعلان اعترافها رسميا بالمعارضة السورية باعتبارها القائد الجديد للبلاد. وقد تلتها الولايات المتحدة بعد ذلك، وهذا يمكن أن يشكل نقطة تحول في الحرب الدائرة في سوريا.

ومع ذلك يظل سؤال محدد يطرح نفسه، وهو: من هم على وجه الدقة الذين تعترف بهم هذه الدول؟ هل هم ثوار أم شبيحة أم إرهابيون تابعون للقاعدة، أم هم هؤلاء جميعا؟

في أواخر نوفمبر الماضي، انفجرت سيارة ملغومة في إحدى ضواحي دمشق، مما أسفر عن مصرع 57 شخصا جميعهم من المدنيين، فمن من بين صفوف الثوار سينفذ عملية مثل تلك غير القاعدة؟

وقد بدا أنه في معرض الرد على هذه العملية، قامت الحكومة السورية بإيقاف جميع خدمات الإنترنت وبعض خدمات الهواتف النقالة على امتداد أيام عدة، فيما يبدو أنه محاولة لمنع أي أحد من مواصلة نقل تقارير عن الاقتتال الطاحن الذي يتواصل في سوريا كل يوم. وقد ذكرت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، أن القوات السورية تفتح النار على المدنيين فيما هم يحاولون الهرب إلى الأردن للإفلات من الصراع. وتستقبل المستشفيات الأردنية لاجئين سوريين مصابين كل يوم، إصابات الكثيرين منهم بسبب إطلاق النار عليهم.

وتحث جماعات عديدة، ومنها جماعة "الأميركيين من أجل السلام الآن" وغيرها من الجماعات الليبرالية، إسرائيل على استئناف مفاوضات السلام بعد القرار الدولي. وفي مصر قال الناشطون إن الثورة التي بدأت العام الماضي، لا تزال تواصل مسيرتها. وقالت الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة، إنها ستزيد مساعداتها للثوار السوريين وألمح جاي كارنيه السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، إلى تحرك عسكري محتمل.

ومن هنا يتعين على القراء مواصلة الاهتمام، فهناك أيام مثيرة للاهتمام لا تزال رهن المستقبل..

 

Email