القانون لا يحمي المغفلين

ت + ت - الحجم الطبيعي

شهد هذا الزمان العديد من الانتكاسات للقيم التي هي عماد الاقتصاد، وحسب المتعارف عليه أن الاقتصاد هو علم سلوك المجتمع. ولا اعتقد هذا سلوكاً ينتهي بعملية البيع والشراء فقط، لكن يتعداه إلى كيفية القيام بالعملية.

التجار قديماً كان الفيصل بينهم الكلمة والسمعة، فكانت كلمة التجار تساوي أكثر مما تساويه العقود اليوم. فرغم انتشار الترتيبات الإدارية الحديثة لتنظيم عملية العرض والطلب، مازال هناك العديد من التحديات لم تصل إلى ترتيب التجارة قديماً التي كان جوهرها الأخلاق.

بالرجوع إلى موروثاتنا الإسلامية، نجد كيف أن انتشار الإسلام في الأقطار كان بسبب أخلاق التجار. فكان التجار قديماً ليسوا حملة بضاعة فقط ولكن كانوا حملة أخلاق سامية ترقى بالمجتمع والفرد والروح.

اليوم عندما أصبحت البضاعة التي يحملها التجار هي فقط الربح وجدنا كيف البضاعة غشت، والغلاء بالأسعار تفشى، وكيف الزكاة منعت، والصدقات شحت، وذلك كله لتحقيق الكلمة السحرية «الأرباح». لكن هل دور التجار الربح فقط في المجتمعات التي هي سبب وجود التجارة؟، أم هناك رسالة سامية للتجار لتحقيق قيم مجتمعية هم حجر الأساس فيها؟

نجد شَقَّي أي علاقة يتكون من طرفين أو أكثر، فعندما نقول الأرباح والجشع والغش في السوق يكون طرف المعادلة الذي يصنع هذه الصفات في المجتمع بطبيعة الحال التجار. لهذا السبب ذاته قديماً كانت أخلاقهم سبباً في نشر دينهم ورواج تجارتهم، حيث إنها أوجدت ميزات اقتصادية لدى المستهلك الذي يخلف إلى السوق لا يجدها عند غيرهم، فقاموا بصناعة طلب معنوي على الأخلاق في السوق بجانب الطلب المادي على البضاعة المراد استهلاكها.

اليوم نجد المفاهيم قلبت رأساً على عقب، فصارت التجارة شرارة أو شطارة، وأصبح شعار البعض القانون لا يحمي المغفلين، والدرهم الأبيض ينفع في اليوم الأسود!!! فالنتيجة كانت كثرت القضايا بالمحاكم وسادت الخلافات ودبت المنازعات، حتى صار اليوم إن أردت أن تدخل في سلك التجارة يجب أن تكون مستعداً لمثل هذه المواقف.

الحلول ليست في غلق الثغور في العقود، وليست بوجود خبراء يسهمون في إظهار الحقائق. لكن الحل في الفضائل ومكارم الأخلاق والإيثار والكرم. وقد جمع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا كله بقوله: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، فكما تحب أن تربح، حب للناس الربح، وكما تحب أن لا يغشك أحد، لا تحب هذه الفعلة لأحد.

ختاماً هذا الحوار الشعري عن البضاعة المعنوية، حيث كان الإمامان رضي الله عنهما في جلسة فقال الإمام الشافعي: «أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي وإن كنَّا سوياً في البضاعة»، فردَّ عليه الإمام ابن حنبل بأدب طالب العلم قائلاً: «تحبُ الصَّالحين وأنت منهم ومنكم سوف يلقون الشفاعة وتكره من تجارته المعاصي وقاك الله من شر البضاعة».

Email