بؤس السياسة الروسية.. خطأ يقود إلى خطأ

ت + ت - الحجم الطبيعي

وجه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، دعوة لزيارة موسكو، لأحمد معاذ الخطيب رئيس الائتلاف السوري لقوى المعارضة والثورة، فصيل المعارضة السورية الرئيسي، الذي اعترفت به 114 دولة كممثل وحيد للشعب السوري، في مؤتمر أصدقاء سوريا الذي عقد في مراكش مطلع ديسمبر الماضي.

وقد رد الخطيب، بأنه ليس رافضاً لمبدأ الحوار مع السياسة الروسية، لكنه اشترط أن تعتذر هذه السياسة عن ممارساتها ومواقفها التي تبنتها تجاه الثورة السورية، خلال واحد وعشرين شهراً منذ بدء الثورة، وأن تتخذ مواقف جديدة ليست فيها شبهة انحياز للنظام السوري، وأن يجري الحوار ـ إن حصل ـ في بلد ثالث غير روسيا بالطبع.

وسرعان ما رد لافروف غاضباً ومنتقداً ومتفوهاً بكلمات قاسية، منها أن المعارضة السورية (أي قيادة الائتلاف) لا تفهم في السياسة، وأن معلوماتها السياسية متواضعة، وما يشبه ذلك من النقد، دون أن يذكر معياراً واحداً لقياس التقصير في الفهم السياسي، أو التواضع السياسي.

إن رد لافروف على محمد معاذ الخطيب، هو رد غير دبلوماسي ولا سياسي، ولا يخلو من الفجاجة، ويندرج في باب المهاترات، فمن غير المنطقي (ولا الدبلوماسي أو السياسي) اتهام قيادة معارضة تخوض حرباً ضروساً مسلحة مع نظامها، بأنها جاهلة وغير مسيسة أو متواضعة الفهم السياسي. ويمكن تصنيف الرد في خانة المشاعر والرغبات ونصرة النظام السوري بشكل أعمى.

كما هي حال مواقف السيد لافروف التي كانت دائماً، منذ بداية الثورة، بل على التحديد منذ أن أخرج له أهل السلطة السورية آلاف المستقبلين على طريق مطار دمشق عند زيارته لسوريا في بدء الثورة، مما لم يشهده من قبل لا هو ولا أي وزير خارجية آخر، بل ولا حتى معظم الرؤساء الذين يزورون بلداناً أخرى.. فالجماهير تستقبل عادة الزائر "الزعيم" الذي قاد ثورة تاريخية ناجحة ذات تأثير حاسم في مستقبل بلاده.

وهذا لم يكنه لافروف، فما هو سوى وزير خارجية (دبلوماسي بيروقراطي) لا أكثر ولا أقل. ولعله كان مدهوشاً بذاك الاستقبال وما زال مدهوشاً حتى الآن، حيث أصبح من حينها، وبمساعدة أسباب أخرى، ما يشبه الناطق الرسمي باسم النظام السوري.

إن سبب موقف المعارضة السورية هذا، الناقد جداً للسياسة الروسية تجاه الثورة السورية، هو أن المعارضة تعتقد أن هذه السياسة أدت إلى تراكم سلبيات، بل تراكم أخطاء، تورطت فيها السياسة الروسية (أو ورطها لافروف) شهراً وراء شهر، حتى وصلت إلى تلال من الأخطاء تصعب معالجتها.

وترى المعارضة السورية، أن لافروف هو المسؤول الرئيس عن هذه الأخطاء، بسبب قصر نظره، وإدخاله المزاج الشخصي في العمل السياسي، وعدم بحثه بدقة عن الأسباب، وبالتالي عدم استطاعته استنتاج المواقف.

فالسياسة الروسية، بدأت بوصف الثورة بأنها من أعمال إرهابية تستحق الشجب، وطالبت المعارضة السورية، التي اعتبرتها منحرفة وعلى صلة بالدول الخارجية، بأن تحاور النظام بشروطه هو، أي أن تقبل بعض الإصلاحات التي يقدمها لها.

وكانت تستنكر منذ البدء مطلب المفاوضات، لأنه أشمل من الحوار وفيه بعض الندية ويناقش واقع النظام السياسي ومستقبله. واعتبرت أن أعمال العنف التي يقوم بها النظام، على شدتها وقسوتها، أعمالا مشروعة وطبيعية، واستمرت تزوده بالأسلحة والمعدات، واستخدمت حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن مرتين، عندما حاول المجلس منع النظام من الاستمرار في مواقفه.

واستمر لافروف يدافع بشدة عن السياسة السورية الرسمية حتى النهاية، وأحياناً بصيغة أقسى وأقوى من صيغ أهل النظام وأساليبهم ومصطلحاتهم. ولم يكن الموقف الروسي يوماً وسيطاً أو حيادياً، بل كان دائماً نصيراً (أعمى) للنظام، وعدواً صريحاً للمعارضة، التي لم ينفك يدعوها بالمعارضة الإرهابية.

في مؤتمره اذي عقده في موسكو بالاشتراك مع المندوب العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي يوم 29/12، أكد لافروف أن الرئيس الأسد لن يتنحى مهما كانت الظروف، وأن الحل يكون بالحوار (الحوار على طريقة أهل النظام)، وشدد على أن السياسة الروسية غير قادرة على تغيير رأي الرئيس الأسد.

وبالتالي فهي (حسب لافروف) عاجزة عن التأثير في أي حل أو مبادرة. ويشير الواقع إلى عدم دقة هذه التصريحات، فمن يقدم السلاح والعتاد والدعم ويستخدم الفيتو في مجلس الأمن، ويمنع مجلس الأمن والشرعية الدولية من اتخاذ قرارات تجبر النظام السوري على تبني أي حل، من يقدم هذا كله، لا شك أن لديه القدرة على التأثير في موقف النظام، الذي يوقن يقيناً مطلقاً أنه لن يستطيع الاستمرار من دون دعم السياسة الروسية.

ويرى المراقبون أن السياسة الروسية لديها القدرة على التأثير في الموقف السوري دون شك، ولكن ليست لديها الرغبة. فوزير الخارجية الروسي، يود أن يثبت أن سياسته تجاه الأزمة السورية كانت صحيحة، ويريد أن يجمّلها، إما بمواقف استعراضية أو بألفاظ غير محددة المعالم، أو بالتخويف من العنف أو من الحرب الطائفية، أو بالخطر المزعوم على الأقليات، مما لا يليق بوزير خارجية دولة كبرى، من المفترض أن يعترف بالخطأ، ويوجه نقداً ذاتياً لسياسته وسياسة بلاده.

عندما اتخذت قيادة "الائتلاف السوري" موقفها، كانت واثقة من عدم وجود موقف روسي جديد لدى السياسة الروسية، فلا هي غيرت موقفها من عسف النظام واستخدامه المفرط للقوة، وقتل المدنيين، وتدمير البنية التحتية، ولا هي قالت حول ماذا سوف تحاور المعارضة السورية إن قبلت مثل هذا الحوار. وكل ما فعله لافروف أنه طالب بحوار: غير محدد الأهداف ولا الأساليب ولا الثوابت، ولا يتضمن أي شيء يقود لنتيجة.

وفي ضوء ذلك كله، ليس غريباً ولا مستهجناً أن ترفض المعارضة السورية هذا الحوار، فهي ليست جاهلة بالتأكيد، لكنها واثقة من عدم جدوى محاورة السياسة الروسية، التي قد تجرها خطوة خطوة إلى القبول بشروط النظام.

 

Email