فوضى الاستهلاك

ت + ت - الحجم الطبيعي

يُعرف عن النمل أنه يعمل بشكل دؤوب ومنظم في تسيير أمور حياته، ومن بين هذه الأمور قيامه بداية منتصف كل فصل صيف، بعملية جلب وتجميع الغذاء وتخزينه في جحوره التي يقطنها، بهدف تأمين احتياجاته الأساسية من طعام وشراب، لفصل الشتاء الذي تشتد فيه البرودة التي لا طاقة له على تحمّلها..

وما يقوم به النمل من فعلٍ كهذا، يأتي من فطرته التي خلقه الله سبحانه وتعالى عليها، ونحن لهذا الفعل مستوعبون، لأنه من خلاله يؤمّن احتياجاته ويؤدي مهامه الأزلية. لكن ما لا نستوعبه أبداً، هو ما يحدث من تصرفات بشرية في "الجمعيات التعاونية" وأسواق "الهايبر ماركت"، فعندما تدلف إلى أحد هذه المتاجر في أيٍّ من مناطـق الدولـة، لغـرض التسـوق على سبيل المثال.

فإنك تجد عـربات التسوق الخاصة ببعض المتسوقين محمّلة بكميات مبالغ فيـها مـن المـواد الغذائية والاستهلاكية، وقد تصادف بعض "الحريم" يقمنَ بجر ثلاث عربات أو أكثر، واحدة في يد السيدة نفسها والأخرى في يد الخادمة والثالثة في يد السائق، فيبدو المشهد وكأنهن يردن إطعام جميع أهالي "الفريج" الذي يسكنّ فيه، وما إن ترى هذا المنظر حتى يحضرك مثال النمل في طريقة تخزين طعامه لفصل الشتاء.

نسـتغرب هـذا النهـم الاستهلاكي، والـذي أصـبح عـادة متأصلة عند كـثيرٍ مـن النـاس للأسف، الأمر الذي يدعونا للتساؤل: لماذا لا نتحكم فـي أنفسنا أثناء عملية الشراء؟ لماذا لا يكون لدينا نظام استهلاكي تعمل به الأسر كلٍّ حسب إمكاناتها واحتياجاتها؟ مع أن أكثر هذه المشتريات يكون مصيره إلى حاوية النفايات، حسب ما أكدته دراسة على مستوى دول الخليج العربية مفادها: أن نسبة الأطعمة المتخلّفة من نفايات هذه الدول تساوي 40% من مجموع هذه النفايات.

هذا السلوك الاستهلاكي السيئ، يؤكد أننا نعيش في فوضى استهلاكية، فنسأل أنفسنا: إلى متى سيمكث هؤلاء في هذه "الفوضى" دون تفكير؟ متى سيدركون سوء تصرفاتهم وضررها على صحة الإنسان والمجتمع والبيئة على حدٍ سواء؟..

رغم ما تقوم به الجهات المعنية بحماية المستهلك، من حملات إرشادية ورسائل توعوية تبثها عبر وسائل الإعلام المختلفة بشكل يومي تقريبا، تذكّر أفراد المجتمع بالآثار السلبية الناتجة عن هذه التصرفات، وتحثهم على التعقل في الشراء ومراعاة حرمة رمي بعضها في النفايات.. ولكن لا حياة لمن تنادي.

ومن المفارقات العجيبة أن الناس يشتكون عبثاً ليل نهار من غلاء الأسعار وجشع التجار، ونسوا بل وتناسوا أنه من البديهي أن لعاب التجار يسيل للربح السريع والفاحش، لذلك يرفعون أسعار بضاعتهم حين يرون هذا النهم الشرائي، فنحن من يشجّع هذا التاجر أو ذاك على هذا الفعل، وبعض التجار بطبيعة الحال من أصحاب النفوس الضعيفة، جاهزون ويتربصون بنا الدوائر كلما سنحت لهم الفرصة.

لقد آن لنا أن نخطط لحياتنا على كل المستويات، خصوصاً في عملية شراء مستلزمات المنزل والأسرة من طعام وشراب وغيرهما، لذا يتوجب على رب الأسرة أن يخصص شهرياً مبلغاً محدداً من المال ينفقه على تأمين احتياجات البيت، من دون إفراط ولا تفريط، مع مراعاة مدة صلاحية المواد الغذائية سريعة التلف، ونقيس على ذلك توفير بقية مستلزمات الحياة الضرورية، وهو الأمر الذي سيمنحنا وفرة في المال وبحبوحة في العيْش.

نعم، إن النمل يعيش حياة اجتماعية ملؤها النشاط والحركة الدؤوبة والعمل المنظم، ليتنا نتعلم منه ذلك، عدا موضوع تخزين الطعام طبعاً فهو من خصوصياته.. ودمتم بترشيد ووفرة وسعادة.

 

Email