عام انقضى وآخر آتٍ

ت + ت - الحجم الطبيعي

داهمني العام الجديد على حين غرة دون أن أحسب له حساباً، إذ كنت سأواصل ما ابتدأت به في المقالة السابقة حول الحديث عن سوريا والصراع الطائفي، غير أن للمناسبات أحكاماً. فحينما ينقضي عام كامل بكل ما تحمل أيامه من أحداث، وحينما يدخل عام جديد وما يرتجى فيه من أمنيات، يكون النأي عن الخوض في حديث عنه أمراً مستحيلاً.

 فالمناسبة تفرض نفسها، ذلك أن دوران الأرض حول الشمس دورة كاملة، لا يمكن حسابه بالنسبة لنا كبشر حساباً رياضياً بحتاً بعدد أيام السنة الواحدة، بل حساباً سياسياً واجتماعياً، وأيضاً شخصياً، بجملة الأحداث التي وقعت وأهميتها في صياغة مستقبلنا الذي نقف على أبواب سنته الجديدة، والذي نعيش في غرة أيامه.

منطقتنا العربية كانت ملأى بالأحداث، ولعل على رأسها "استفادة" جماعات الإسلام السياسي من ثورات الربيع العربي في أكثر من دولة عربية، وعلى رأسها مصر ذات الثقل السكاني وصاحبة الدور المركزي تاريخياً في دنيا العرب، وما سيشكله ذلك في مستقبل الداخل المصري ومستقبل الجوار الإقليمي العربي والشرق أوسطي والإفريقي.

وتثار هنا أسئلة كثيرة لن يقطع بإجابتها إلا الزمن والقادم من الأيام، حول البرنامج الحقيقي لهذه الأحزاب التي تتسيد الآن وستتسيد في المستقبل بلداناً عربية كثيرة..

ترى هل ستوظف الدين خدمة للتنمية وتشحذ همم الجماهير العربية بالطاقة الروحية لتوجههم نحو البناء والإنجاز والإتقان؟ أم سيكون أفقها محصوراً بالقضايا الأخلاقية المعهودة التي اعتادت أن ترفعها، من قبيل الحجاب وفصل النساء عن الرجال وغيرها؟!

وأسئلة أخرى من نوع مختلف، تطرح ونحن ندخل سنتنا الجديدة، حول رؤية هذه الأحزاب التي باتت تسيطر على المشهد العربي؛ فماذا عساها فاعلة بالصراع العربي الإسرائيلي، الذي بتنا منذ مدة نسميه بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟ فحلفاء هذه الأحزاب التي هي في السلطة، والتي يمكن أن تشكل طوقاً حول إسرائيل بسقوط النظام السوري وتسلم الإخوان السلطة، ووجود حزب الله، الذي أعادت مصر أخيراً الاتصال به، أقول: ماذا عساهم فاعلين حول التعامل مع إسرائيل؟ ترى هل سيتبنون طرح حماس والجهاد وبالتالي الدخول في مواجهة مع إسرائيل وما يحمله ذلك من تبعات؟ أم سيجرون حماس والجهاد إلى منطق الاعتدال والواقعية؟

العام الفائت شهد تحولات في موازين القوى في المنطقة، ربما عبر عنها الرئيس المصري في خطابه الأخير، حيث أكد أن دور مصر يتجاوز كثيراً حدودها، مؤكداً اهتمام مصر بأمن الخليج العربي، مما يعني أنها إشارة لإيران وحدود التعامل معها، علماً أن ثمة علاقات تاريخية بين جماعة الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية في إيران، منذ أن كان الخميني وبعد نجاح ثورته.

ولا ننسى دور اللاعب التركي المتعاظم، الذي غدا نموذجاً لهذه الأحزاب، والذي بات يحقق نجاحات على الصعيد الاقتصادي مما انعكس على بروز دوره السياسي في المنطقة. مجتمعاتنا الخليجية العربية والتحديات المستمرة التي تواجهها، هي أيضاً مجال للتأمل في هذه الوقفة.

ولا أبالغ إن قلت إن أكبر تحدٍ اجتماعي والذي سيتحول إلى تحد سياسي حقيقي، هو كيفية إيجاد فرص عمل "حقيقية ومنتجة" لهذا العدد المتزايد من مواطني المنطقة، التي يشكل فيها الشباب النسبة الأكبر من سكانها.

ولعلها من أغرب المفارقات التي تعيشها مجتمعاتنا، أنها تعتمد على العمالة الوافدة في حين تشكو من وجود البطالة بين أبنائها! ونكاد لا نصدق الأرقام، لولا أنها من مصادر موثوقة كجريدتنا الغراء التي أوردت في 30 ديسمبر (من العام الفائت 2012)، وفي معرض حديثها عن "التوطين" أن نحو 1.7 امرأة سعودية عاطلة عن العمل من ذوي الأعمار بين 20-35 سنة، ناهيك عن باقي الأعمار وأيضاً عن العاطلين الآخرين من الشباب.

وما ينطبق على السعودية ينطبق بهذا القدر أو ذاك - على عمان والبحرين والكويت.

إن التحدي الأكبر أمام حكوماتنا ومؤسسات المجتمع المدني، هو في كيفية إقناع شبابنا بالولوج في مختلف المهن وعلى رأسها المهن الفنية، ومحاربة الأفكار البالية والنظرة الدونية للأعمال الفنية والمهنية. وهذه مهمة صعبة، وتتطلب قرارات حاسمة ولها كلفة سياسية باهظة لا بد أن نتحملها، لأننا لو تركنا الحبل على الغارب، فستكون العواقب مدمرة.

على العموم، نتفاءل بالعام الجديد، فمجتمعاتنا تمتلك خيرات وفيرة تستطيع تسخيرها بالتخطيط، نحو تنمية مجتمعية متكاملة.. وكل عام وأنتم بخير.

 

Email