برنامج واعد للنهوض مجدداً باقتصاد اليابان

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد انتخابات 16 ديسمبر 2012، عاد الحزب الليبرالي الديمقراطي بأغلبية كاسحة تؤهله لحكم اليابان منفردا. لكن تحالفه التاريخي الثابت مع حزب "الكوميتو الجديد"، دفعه إلى عقد لقاء ثنائي بينهما للتوافق على برنامج عمل مشترك لإدارة شؤون الحكم في اليابان، فور تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة شينزو آبي، زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي.

أثناء توليه رئاسة الحكومة خلال عامي 2006 -2007، ركز "آبي" على الدبلوماسية القومية المتشددة.

لكن المجتمع الياباني كان بحاجة إلى إصلاحات جذرية لتحسين حياة الطبقات الفقيرة ومعالجة مشكلات البطالة، والسكن، وكبار السن، والإصلاح البريدي الذي أنجزه سلفه رئيس الوزراء جونشيرو كويزومي.

لكن آبي تجاهل القيام بتلك الإصلاحات، فخسر الحزب الحاكم انتخابات مجلس الشيوخ عام 2007 بهزيمة مدوية، مما اضطر "آبي" للاستقالة، وأصيب بنوع من الكآبة، ودخل مرحلة التداوي الجسدي والنفسي، إلى أن استعاد قواه الجسدية والذهنية، فعاد مؤخرا إلى الحياة السياسية بعد أن قدم الاعتذار للشعب الياباني، وتولى قيادة الحزب منذ أشهر قليلة، وقرر خوض الانتخابات النيابية بثقة كبيرة بالانتصار.

شدد "آبي" في خطبه الانتخابية على ضرورة الاستنهاض الاقتصادي، والتوقف عن سياسة الين القوي التي أضرت بالتجارة اليابانية. ووعد باختيار أفضل العناصر كفاءة وسمعة طيبة لتنفيذ برنامج الحكومة الجديدة، وبإعطاء دور هام للمرأة اليابانية في إدارة شؤون الحزب الحاكم، والحكومة، والإدارات المحلية.

تمحور الحوار المشترك حول معالجة القضايا الملحة التي تتعرض لها اليابان، خاصة بعد الزلزال الكبير في 11 مارس 2011 وما أعقبه من تسونامي دمر الكثير من القرى المجاورة للسواحل البحرية في منطقة توهوكو، والتي تعرضت أيضا لإشعاعات نووية في منطقة فوكوشيما. لكن المعالجات الضعيفة التي قام بها الحزب الديمقراطي الحاكم، لم تنجح في حل أي من المشكلات التي تحتاج إلى أكثر من ثلاثمائة مليار ين، تنفق لإعادة إعمار تلك المنطقة المنكوبة خلال خمس سنوات على الأقل.

أعطت الحكومة الجديدة أولوية للإسراع في إعادة إعمار منطقة توهوكو، وإعادة سكانها إليها في أسرع وقت ممكن، وتم التفاهم على الحد من استخدام الطاقة النووية والاستغناء عنها قدر المستطاع، والتوافق على برنامج مشترك، وطويل الأمد، لتعزيز الطاقة البديلة والنظيفة على حساب الطاقة النووية، وذلك ضمن برنامج ينجز خلال أربع سنوات، مع إخضاع تشغيل أي من المفاعلات التي تعرضت للزلزال والتسونامي، لرقابة دقيقة من جانب لجنة الطاقة النووية في اليابان.

بيد أن حزب الكوميتو الجديد، أصر في برنامجه الانتخابي على عدم الاعتماد نهائيا على الطاقة النووية، في حين تضمن برنامج الحزب الليبرالي الديمقراطي الانتخابي، مبدأ التخلي التدريجي عنها خلال فترة لا تقل عن عشر سنوات، وقد تصل إلى العام 2030.

فهذا الحزب هو الذي أدخل البرنامج النووي إلى اليابان في فترة الستينيات من القرن العشرين، وبنى المفاعلات المتقاربة بكثافة في منطقة فوكوشيما والتي تسببت بكارثة كبيرة في اليابان.

وقد أتيحت لي فرصة زيارة منطقة الزلزال الكبير والتسوماني، والإشعاعات النووية خلال يومي 9 و10 ديسمبر 2012. فالمنظر مرعب جدا بسبب خلو جميع القرى التي زرناها من سكانها، مع وجود بعض مراقبي الطاقة النووية، ومرور السيارات على الطريق العام.

ويجري نقاش حاد بين السكان الذين يريدون العودة الفورية إلى بيوتهم وأرزاقهم، وبين مندوبي الطاقة النووية اليابانية الذين يؤكدون أن الوقت لم يحن بعد لعودتهم، والتي ستكون تدريجية وبنسب معينة، مع مراقبة دقيقة لحجم الإشعاعات المنبثقة من المفاعلات. ت

جدر الإشارة إلى أن الحزب الليبرالي الديمقراطي حقق نجاحا كبيرا في انتخابات ديسمبر الماضي، لكن الشعب الياباني لم يمنحه ثقة مطلقة للاستمرار في استخدام الطاقة النووية، بل للتخلي عنها وإبدالها بطاقة نظيفة وآمنة.

على جانب آخر، تعهد رئيس الوزراء "آبي" أثناء حملته الانتخابية وفي برنامجه الحكومي، بدعم وتطوير القوى العسكرية وجيش الدفاع الياباني، لمواجهة احتمالات عسكرية مرتقبة.

وطالب بتعزيز موازنة وزارة الدفاع لدعم القوة البحرية في جيش الدفاع الياباني، وتزويده بما يلزمه من عتاد وأسلحة لكي يكون قادرا على حماية الشواطئ اليابانية ومياهها الإقليمية. لكن حزب الكوميتو تحفظ على هذا التوجه، واشترط التوافق في مجلسي النواب والشيوخ على زيادة دور القوات اليابانية المسلحة، ولأهداف دفاعية فقط.

وتم التوافق أيضا على تنشيط التجارة اليابانية إلى الخارج، ورفض القيود التي تتعارض مع مصلحة اليابان أو تحد من قدرتها على توسيع دائرة تجارتها إلى جميع الدول.

وتعمل الحكومة على إعادة النظر في الموازنة وإقرار موازنة 2013 في مجلس النواب الجديد، على أسس مغايرة لما قام به الحزب الديمقراطي المهزوم، فالغاية الأساسية منها هي استنهاض الاقتصاد الياباني، بعد الضربة المؤلمة التي حلت به والركود الكبير الذي شهدته اليابان خلال عامي 2011 و2012، على أن تعمل الحكومة الجديدة على لجم التضخم خلال العام الجديد، بحيث يبقى في حدود 2% فقط، واتخاذ كل التدابير اللازمة لذلك.

لكن العقبة الكبرى في طريق الحكومة الجديدة، تكمن في الخلاف المزمن حول تعديل المادة التاسعة من دستور اليابان السلمي، وضرورة موافقة مجلسي النواب والشيوخ على تعديلها بنسبة مرتفعة.

ختاما، وعد "آبي" وحلفاؤه في الحكومة الجديدة، الشعب الياباني بخفض سعر الين المرتفع، لتعزيز القدرة التنافسية لصادرات الياباني، وذلك بصورة تدريجية وتحت إشراف بنك اليابان المركزي، وأن تعمل الحكومة على تعزيز الإنفاق المالي لمواجهة الانكماش الاقتصادي، الذي يسيطر على اليابان منذ أكثر من ثلاث سنوات.

وقد اختير لوزارة المالية رئيس الوزراء الأسبق "تارو آسو"، الذي حكم اليابان خلال عامي 2008 و2009، لما لديه من خبرة واسعة في مجال تسهيل التداول النقدي، وتعزيز الإنفاق الحكومي للتغلب على الركود، والسيطرة على سلبيات الين المرتفع، على أن تمارس الحكومة مجتمعة سياسة مدروسة في مجال استخدام الطاقة النووية، بعد الاستفادة من دروس أزمة محطة فوكوشيما.

 

Email