هل قررت واشنطن أن يكون عام 2013 هو العام الدولي لتجسسها على العالم؟ يبدو أن ذلك كذلك بالفعل.. ما الذي يدفعنا لفتح هذا الملف؟
هل أتاك حديث وكالة "ديا" أو "يوتاه داتا سنتر"؟ الحديثان مختلفان في الشكل متفقان في الجوهر؛ رصد لكل ما يهب أو يدب على الأرض، وتخزينه وإعادة استخدامه، لتحقيق "القرن الأميركي" الذي سعى إليه المحافظون الجدد منذ نهاية تسعينات القرن المنصرم. ماذا عن "ديا" مباشرة؟ إنها "وكالة مخابرات الدفاع"، أي جهاز المخابرات الأميركي التابع مباشرة لوزراه الدفاع الأميركية "البنتاغون"، وهذا ما يميزه عن وكالة المخابرات المركزية الأميركية CIA، ووكالة الأمن القومي الأميركي المغرقة بسريتها (NSA).
في منتصف ديسمبر المنصرم، كانت صحيفة الواشنطن بوست الأميركية المعروفة باتجاهاتها اليمينية، تميط اللثام عن مرحلة جديدة من مراحل الصراع المخابراتي الداخلي، بعد أن أعلنت وزارة الدفاع الأميركية عن خططها لإقامة شبكة تجسس تنافس وكالة الاستخبارات المركزية، وذلك في عملية كبيرة لتوسيع نشاطات جمع المعلومات الاستخبارية..
أهكذا سيبدأ باراك أوباما ولايته الثانية؟ هذا مؤكد، وبالنسبة للرجل الذي يحمل ميدالية نوبل للسلام، فهو يفضل الحروب والاغتيالات السرية عوضا عن المعارك المسلحة العلنية.. إنه رجل يبدو وقد قرأ نصائح ميكافيللي للأمير نيقولا تمام القراءة، ورسخ عنده "أن تكون مرهوبا خير من أن تكون محبوبا".
هكذا تفضح "واشنطن بوست" أوباما، رجل الحرب لا السلام، من خلال خطته الكبرى التي تعكس تفضيل إداراته للتجسس والعمل السري، بدلا من استخدام القوة التقليدية.
ما هي الخطوة الأولي في التجسس الأميركي على العالم في 2013؟
رفع المخطط الهيكلي لـ"ديا" ليصل إلى 16500 عضو، وسيتم تشكيل جيل جديد من العملاء السريين تحضيرا لإرسالهم إلى الخارج، وتتكفل وكالة المخابرات المركزية بتدريبهم في مركزها الواقع في ولاية فرجينيا، المعروف باسم "المزرعة"، حيث يؤطر عملاء سريون.
ما هو الهدف من وراء هذا التصعيد الاستخباراتي الأميركي الجديد؟ في نفس توقيت نشر الواشنطن بوست لتقريرها، كانت مجلة "دير شبيغل" الألمانية الشهيرة، تكتب عن "أميركا التي تقود العالم في العام الجديد، عبر عمليات التجسس والاغتيالات حول العالم".
والشاهد أن الجميع يعلم تمام العلم ما للاستخبارات الألمانية من مكانة وحضور متقدم حول العالم، لا سيما في الشرق الأوسط.
ولهذا فإن تقرير دير شبيغل أغلب الظن أنه مقصود تسريبه، وعند الألمان أن أوباما بخلاف أسلافه، لا سيما جورج بوش الابن، يعتبر أن الحروب في العصر الحديث ستضحى "غير مرئية مثل الفكر"، وسيتم التحكم فيها عبر مراكز القيادة ذات التكنولوجيا فائقة الدقة، من عدة أماكن مختلفة حول العالم.
ولهذا السبب يشير البعض إلى أنها الحرب الحديثة التي تروج لها الولايات المتحدة، بدعوى القضاء على الإرهاب وإنقاذ العالم من مخاطره.. إنها حرب الجواسيس الجدد والطائرات بدون طيار، والتي فيها يمكن لواشنطن وعبر أذرع "ديا" الجدد، الحصول على أي معلومات سرية عمن تريد حول الأرض، وتصفيته من ثم بواسطه الضغط على زر صغير في جهاز حاسب آلي.
كيف لأوباما أن يرسل "جواسيسه الجدد" في أرجاء المسكونة؟ صحيفة المانيفستو الإيطالية، ذات التوجه اليساري، تتكفل بالإجابة على لسان مراسلها "مانيلو دينوتشي"، وعنده أنه بعد انتهاء التأطير، ستعين وزارة الدفاع عملاء "ديا" الجدد في بعثات في جميع أنحاء العالم، وتتكفل وزارة الخارجية الأميركية بأمر توفير هويات لهم، عن طريق توظيف جزء منهم في السفارات.
والحديث عن "ديا" يطول، وفي حاجة إلى قراءات معمقة لإدراك عملية عسكرة العالم في العام الجديد أميركيا؛ علنا وسراً، صباحا ومساء..
ماذا، إذن، عن "يوتاه داتا سنتر"؟ إنه المبنى الحقيقي، وليس الهوليوودي، الجديد الذي سيكون المقر الرئيسي لـ"وكالة الأمن القومي" (NATIONAL SERVICES AGENCY). تلك الوكالة المغرقة في سريتها، حتى أن المسؤولين الرسميين يصفونها "تندراً" بأنها وكالة NSA التي يمكن أن تحور إلى NO SUCH AGENCY، أي الوكالة غير الموجودة.
هذا المبنى سيكتمل ويباشر أعماله منتصف هذا العام 2013، ويقع في إحدى البقاع المقفرة بين جبال ولاية يوتاه غرب الولايات المتحدة، في منطقة تدعي "بلافديل"، وحجم هذا المبنى يفوق حجم مبنى الكونغرس في واشنطن بنحو خمس مرات.. ما هي مهمة الوكالة حتى نعلم الهدف من مثل هذا المبنى؟ حتى لا نغرق القارئ غير المتخصص، فإنها هي المسؤولة عن كل التقنيات الفنية حول العالم، والتقاط الرسائل وفك الشيفرات، والتنصت على الهواتف واعتراض مسار الأقمار الاصطناعية فوق الأرض، والكابلات البحرية تحت الماء..
ماذا يعنى ذلك؟ بحسب مجلة "وايرد" الأميركية الشهيرة، في تحقيق لها عنوانه "داخل الماتريكس" (INSIDE THE MATRIX)، فإنه الحجر الأخير من البازلت الضخم، الذي ركب خلال العقود الأخيرة لتمكين واشنطن من التنصت على العالم، ومعرفة دقائقه وتسخير أسراره لخدمة مشروعها الإمبراطوري.
وكما "ديا" كذلك "يوتاه داتا سنتر" الحديث، ممتد وغامض ومثير، ولا يبشر بسلام عالمي في العام الجديد، للأسف، غير أن علامة الاستفهام تظل حول؛ هل من مشروعية دولية لما تقوم به واشنطن؟ رغم الضغوطات الداخلية المتمثلة في مطالبة الاتحاد الأميركي للحريات المدنية، لإدارة أوباما بالكشف عن أبعاد ما يجري، إلا أن الأخيرة تدعي الصمم. وعليه ربما تكون التوصية الملائمة، هي أن تفعل الأمم المتحدة ذلك، لتصبح واشنطن ضد العالم (CONTRA MUNDUM) كما كانت عبر ستة عقود، ولأجل حتما لن يطول.