7x7

جنون العقلاء

ت + ت - الحجم الطبيعي

 انظر في الزمان السحيق، وشاهد الكون الفسيح، واستشرف المستقبل البعيد تجد لا شيء جديداً. فإن الله خالق الأكوان لم يزل، مقيم على الأرزاق منذ الأزل، يدير الخلق ويظن الخلق أنهم يديرون الأمور، ولكن لا يتصرف احد في ملكه جل جلاله دون مراده.

هذا الانسان أعقل المخلوقات يفعل ما لا يفعله غيره من خلق الله، يطغى ويخرب، يقتل ويدمر، لو نطقت المخلوقات لقالت هذا جنون العقلاء. فلا يسكن تاريخ البشر من الحروب والخراب، وتدمير كل ما هو جميل من طبيعة وحضارات. فلا يوجد اقتصاد عرفه التاريخ كما في هذا الزمان، لا أبالغ ان أقول دمر الكرة الأرضية واستنزفها، فحصد ما تحصده الأجيال بمئة سنة في عام.

فهذا الإنتاج المبالغ فيه، والإسراف في الإنتاج الذي فرضه النظام الاقتصادي والقائم على كلمة واحدة لا يرى غيرها «الأرباح» جعل من الوحدات الاقتصادية تدمر الكوكب الذي نعيش عليه. كوكب الأرض الذي تغير مناخه، وتلوث هواؤه، وجف ماؤه، وقطعت أشجاره، وتفجرت جباله، ونضبت معادنه، واستنزفت موارده، وكأن القيامة قد قامت ولا أحد سيعيش بعدنا على هذا الكوكب.

العجيب بهذا الزمان اصبح هذا المخلوق العقلاني المجنون، مولعا باقتصاد الموت وصناعة الحروب، فأخذ يستخرج المعادن لا ليعمر الارض ويعيش سعيدا عليها، بل لكي يقتل بعضه البعض بشكل فتاك لم تشهده الحضارات البشرية قبلنا. واصبح الصراع الاقتصادي ليس للموارد كما كان قديما، لكن اصبح الصراع الاقتصادي لهذا الزمان هو «الربح» حتى ولو بتجارة الموت من أسلحة فتاكة، ومخدرات سامة، وأفلام تمسخ العقول.

النمط الاستهلاكي والترف الاقتصادي، وتعود البشرية على نمو الدخل القومي بشكل سنوي، خلال الخمسين عاماً الماضية جعلنا نعتقد أن هذا جيد وهكذا يجب ان يكون الوضع الطبيعي.

الا انه ليس كذلك، فالمبالغة في العرض والإنتاج لمصلحة من؟! فكم من المنتجات تنتهي صلاحيتها ولا يستهلكها أحد، وكم من العروض تشجع على زيادة الاستهلاك غير الطبيعي مثال ادفع درهمين واحصل على حجم مشروب أكبر وبطاطا أكثر تخيل هذا على مستوى العالم طوال هذه الاعوام ما هو أثره.

الحقيقة الزائدة في الاستهلاك، والمبالغة في الأرباح، والإسراف في زيادة الدخل القومي سنويا، تؤدي إلى عدم حصول الدول التي تعاني الفقر والمجاعات على حصتها من التطور البشري من موارد ودخول واستهلاك ونمو. أيضاً تجعل الأجيال القادمة في مستقبل محرق وواقع يصعب التعامل معه، فخلل الطبيعة والخراب الذي صنعناه لا يصلحه الا الله الذي رحمته نرجو وبنعمه نعيش.

 

Email