لا سبب لتأجيل الانسحاب من أفغانستان

ت + ت - الحجم الطبيعي

ينبغي للجنرالات ومسؤولي البنتاغون الذين يديرون الحرب الأفغانية، أن يأخذوا المسألة التالية بعين الاعتبار: قبل بضعة أيام، أعلنت وزارة الداخلية اليمنية أن القوات الحكومية ألقت القبض على قيادي في تنظيم القاعدة، ولفتت إلى أنه «أحد أخطر العناصر في هذا التنظيم، ومن الضالعين في قتل بعض رجال الأمن اليمنيين»، وأنه «شارك مع آخرين في هجمات إرهابية ضد أهداف أجنبية». وعلى بعد أربعة آلاف ميل، أعلنت وزارة الداخلية المغربية في الرابع من ديسمبر، أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي كثف أنشطة تهدف إلى تقويض الاستقرار في المغرب، من خلال محاولة تجنيد الشباب المغربي للقتال في شمال مالي. وقد وضع مكتب التحقيقات الفيدرالي أخيراً، رادولان ساهيرون، وهو زعيم بارز في جماعة تتبع تنظيم القاعدة في الفلبين، على قائمة المطلوبين.

ويسعى التنظيم لتنفيذ خططه الإرهابية في كل مكان. ففي كندا، «يقبع حالياً سبعة سجناء مدانين بانتهاكات لقانون مكافحة الإرهاب في مؤسسات فيدرالية، فيما ينتظر خمسة آخرون المحاكمة في أونتاريو وكيبيك، وقد وضع رجلان منضمان لتنظيم القاعدة، من مدينة وينيبيغ، على قائمة المطلوبين» بناء على أوامر اعتقال، وذلك وفقاً لما ذكرته صحيفة «ناشيونال بوست» في أوائل ديسمبر الجاري.

وفي وقت سابق من العام الحالي، ذكرت وسائل الإعلام الأسترالية أن موقعاً إلكترونياً يتبع لتنظيم القاعدة، عرّف أستراليا على أنها هدف محدد، وأظهرت صورة وهمية على الموقع، دار أوبرا سيدني مشتعلة.

ما علاقة ذلك كله بأفغانستان؟ لقد قال الرئيس الأميركي باراك أوباما، منذ توليه منصبه، ومراراً، إن المهمة الرئيسية هناك تتمثل في تدمير قدرة تنظيم القاعدة على تنفيذ هجمات إرهابية من الأراضي الأفغانية.

وبطبيعة الحال، فقد هرب جميع عناصر تنظيم القاعدة تقريباً من أفغانستان قبل عقد من الزمن، ولا يزال العديد منهم مقيماً في باكستان. ولكن كما قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ذات مرة: «يقول البعض: في الواقع، لم يعد تنظيم القاعدة في أفغانستان»، ولكن «إذا خضعت أفغانستان لسيطرة حركة طالبان، فإنني لا أستطيع أن أصف لكم السرعة التي سيعود بها التنظيم إلى ذلك البلد». صحيح، ولكن ما الذي يعنيه ذلك؟ فعناصر القاعدة، في الوقت الراهن، منتشرون في جميع أنحاء العالم. لقد قامت حركة الشباب المتصلة بتنظيم القاعدة، بقتل 31 شخصاً في الصومال في وقت سابق من الشهر الجاري، فيما قامت «بوكو حرام»، الجماعة الموجودة في نيجيريا، بقصف كنيسة تقع عند قاعدة عسكرية نيجيرية، مما أسفر عن مقتل 15 شخصاً على الأقل. وقال الجنرال كارتر هام، الذي يقود القوات الأميركية في إفريقيا، إن تنظيم القاعدة كان يتقاسم المتفجرات مع «بوكو حرام»، مضيفاً: «من الواضح بالنسبة لي أن قيادة بوكو حرام تطمح إلى توسيع أنشطتها لتمتد إلى جميع أرجاء المنطقة، وبالتأكيد إلى أوروبا». وجميعنا يعرف بالفعل أن للقاعدة معقلاً في العراق، وينفذ الألوف من عناصر ذلك التنظيم عمليات في سوريا. وفي وقت سابق من الشهر الجاري، كشف الأردن مؤامرة حاكها تنظيم القاعدة لتفجير عدة مراكز في عمان، وقبل أسابيع قليلة، قتلت الجزائر ثلاثة مسلحين، بمن فيهم القائد العسكري لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. ولعل منزل القاعدة الجديد والأكثر إغراء فتح في وقت سابق من العام الحالي، عندما سيطرت مجموعة من المتطرفين على شمال مالي، وهي منطقة تضاهي في حجمها ولاية تكساس. ويعمد هؤلاء إلى قطع أيدي اللصوص، وضرب كل من يستمع إلى الموسيقى، وكل امرأة لا تغطي نفسها بالكامل. وبالفعل، فقد فر أكثر من 400 ألف مدني مالي من ديارهم، وتقدر الأمم المتحدة أن 600 ألف طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية. وفي مطلع العام الجاري، قال جنرال أميركي، لجمهور في واشنطن: «لا أعرف بأي شيء أصف شمال مالي، عدا أنه ملاذ آمن لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». وفي أفغانستان، من جهة أخرى، قضى 3236 من جنود التحالف العسكري نحبهم، فضلاً عن ألوف لا تحصى من المدنيين الأفغان. وقد أنفقت الولايات المتحدة أو خصصت لهذه الحرب، ما يقرب من تريليوني دولار. والآن تخطط الإدارة الأميركية لمواصلة هذه الحرب الفاشلة، في دولة فاشلة لعامين آخرين!

لقد أعلن المفتش العام الخاص بإعادة إعمار أفغانستان، في تقريره الأخير، أنه بعد 10 سنوات من التدريب كلفت 51 مليار دولار حتى الآن، لا يزال الجيش الأفغاني عاجزاً عن الدفاع عن دولته ضد طالبان. ومتى قررت الولايات المتحدة وحلفاؤها الرحيل، سواء الآن أو بعد عامين، فإنه من شبه المؤكد أن طالبان ستستعيد أجزاء كبيرة من البلاد.

وتخطط الولايات المتحدة لإبقاء قواعد صغيرة في كل من كابول وقندهار حتى أجل غير مسمى. وفي حال عاد تنظيم القاعدة وفتح قواعد جديدة، كما تتوقع كلينتون، فهل سيهم ذلك حقاً، نظراً لوجود التنظيم في كل قارة؟ وعلى أية حال، فإن القوات الأميركية المتبقية ستستطيع تأسيس أي قاعدة جديدة.. من الذي سيمنعهم من ذلك؟

لقد حان الوقت لتسريع الانسحاب، إذ لن يسفر البقاء لعامين آخرين عن أي شيء، سوى فقدان مزيد من الأرواح، وهدر مزيد من الأموال.

 

Email