تكنولوجيا اليابان وتطوير الإنتاج العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تزايد اهتمام اليابان كثيراً بمنطقة الشرق الأوسط، وبشكل خاص المنطقة العربية، خلال السنوات الخمس الماضية. فقد استوردت اليابان عام 2009 قرابة 90٪ من احتياجاتها النفطية من دول هذه المنطقة، وهي من أكبر الدول المستهلكة للنفط المستخرج من دول الشرق الأوسط.

ويبلغ حجم ما تستورده من النفط الخام من دول مجلس التعاون الخليجي، قرابة 60 مليار دولار أميركي سنوياً. وبالتالي، فتطوير العلاقات الاقتصادية بين اليابان والدول العربية، شديد الصلة بمقولة مبادلة النفط العربي بالتكنولوجيا اليابانية.

كان معظم الصادرات العربية إلى اليابان من النفط والغاز، وتجاوزت قيمتها المائة والخمسين مليار دولار في السنوات القليلة الماضية، وزادت الاستثمارات اليابانية في العالم العربي بصورة مطّردة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وقدمت اليابان مساعدات هامة لبعض الدول العربية، فارتفع حجم مساعداتها لدول الشرق الأوسط من 7٪ من إجمالي مساعداتها الخارجية في العام 2000، إلى 32٪ في العام 2008، وقدمت غالبيتها إلى منظمات غير حكومية لتنمية مشاريع إنمائية وتطوير البنى التحتية.

وتم توجيه تلك المساعدات إلى مشاريع تنظيم حماية المياه في الريف، وبناء نظام للطاقة الشمسية، ومنح مالية لمساعدة بعض المنظمات التي تهتم بتنمية البيئة.. وغيرها.

تعتبر اليابان اليوم أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال في العالم، بنسبة 40٪ من الإنتاج العالمي. وقامت الشركات اليابانية خلال السنوات الأربعين الماضية، بتحسين تكنولوجيا تسييل الغاز وتكبير حجم المصانع في دول عربية منتجة للغاز الطبيعي. وطورت شركات يابانية تكنولوجيا حديثة لرفع مستوى التجهيزات المستخدمة في استخراج الغاز، وتسعى لنقلها إلى الدول العربية والشرق أوسطية.

 وقد ساهمت تكنولوجيا اليابان مؤخراً في بناء منشأة استخراج للغاز الطبيعي المسال في قطر، بطاقة إنتاج بلغت 77 مليون طن.

ومع تطور العلاقات الاقتصادية مع دول الشرق الأوسط بوتيرة عالية خلال السنوات الخمس الأخيرة، فتحت آفاق واسعة لتطوير شراكة الطاقة بين الجانبين لتشمل، إضافة إلى النفط والغاز الطبيعي، الطاقة المتجددة، وإنتاج الطاقة النووية، والطاقة الشمسية، وتساهم شركات يابانية اليوم في مشاريع تنقية النفط وفي مجال البتروكيماويات.

يكفي التذكير بمشروع "بترو رابغ" المشترك بين شركة سوميتومو اليابانية للكيماويات، وشركة أرامكو السعودية للنفط، وهو أكبر استثمار ياباني في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا.

ولعب المنتدى الاقتصادي العربي الياباني دوراً ملحوظاً في تطوير العلاقات الاقتصادية بين العرب واليابان، ويضم عددا من كبار المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال من الجانبين الياباني والعربي، وتناقش فيه قضايا الطاقة، والبيئة، وتنمية الموارد البشرية، والعلوم والتكنولوجيا، والاستثمار وغيرها، وهي قضايا ذات أهمية خاصة في تطوير العلاقات الاقتصادية بين الجانبين.

وحققت غالبية الدول العربية في السنوات الأخيرة تزايداً ملحوظاً في عدد السكان، خاصة في أوساط الشباب الذين يشكلون القوة الأساسية في سوق العمل.

وتشكل الدول العربية سوقاً لتصدير السلع اليابانية ومناطق جاذبة لاستثماراتها. وتمتلك اليابان تكنولوجيا فائقة التطور، يمكن الاستفادة منها لإصلاح البنى الأساسية في الدول العربية، وفي تنمية الموارد البشرية والطبيعية في الدول العربية.

لكن التنمية الاقتصادية في نظر اليابانيين تحتاج إلى المحافظة على السلام والاستقرار، لذا تأمل اليابان في إيجاد حلول سلمية لمشكلات الشرق الأوسط، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وتبدي رغبة صادقة في التعاون من أجل السلام والاستقرار في المنطقة العربية بكامل دولها.

عندئذ يمكن للعلاقات الاقتصادية بين اليابان ودول هذه المنطقة، أن تحقق المزيد من التقدم من خلال التبادل الاقتصادي والتفاعل الثقافي بين الجانبين.

وتم إحراز تقدم كبير في السنوات القليلة الماضية، وعلى مستويات متعددة كالتجارة، والاستثمار، والتعاون التقني، والتبادل الثقافي وغيرها.

لدى الدول العربية إمكانيات كبيرة في مجال الطاقة المتجددة، خاصة الشمسية منها. وبدأ استخدام تكنولوجيا اليابان المتقدمة في أكثر من دولة عربية، وتساهم اليابان في تنمية العلوم والتكنولوجيا في العالم العربي، وبصفة خاصة في مصر حيث تم إنشاء الجامعة المصرية - اليابانية للعلوم والتكنولوجيا، بالتعاون مع جامعات يابانية.

وهناك مشاريع مماثلة لنقل تكنولوجيا اليابان المتطورة إلى العالم العربي، قيد الإنجاز في المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وتونس، والجزائر وغيرها.

ويتم حالياً تدريب أعداد متزايدة من التقنيين العرب على التكنولوجيا اليابانية، وتقدم اليابان أجهزة متطورة لدول عربية. ونشط تعاون عربي ياباني في مجال التدريب الفني على تصنيع البلاستيك، وفي مجال الكهربائيات، والإلكترونيات، وصيانة السيارات، وغيرها.

وهناك مشاريع يابانية قيد الإنشاء لإنتاج سيارات يابانية في بعض الدول العربية، فقد صرح رئيس وزراء الجزائر عام 2012 بأن شركة تويوتا ستبني مصنعاً كاملاً لإنتاج سياراتها في الجزائر.

وأكد أكثر من مسؤول ياباني خلال هذا العام، على رغبة بلاده في تطوير العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية والثقافية والأكاديمية بين اليابان والدول العربية، وأن بإمكان العرب الاستفادة الجدية من تكنولوجيا اليابان فائقة التطور، لإصلاح البنى التحتية، وبناء مصانع حديثة تساهم في تطوير مراكز الإنتاج في الدول العربية التي هي في أمس الحاجة إلى تلك التكنولوجيا.

ولدى اليابان إمكانات تقنية كبيرة لتنمية مصادر الطاقة الشمسية والمائية في الدول العربية، وأبدت مراراً استعدادها لتزويد تلك الدول بما تحتاجه من تكنولوجيا يابانية لتطوير مواردها البشرية والطبيعية.

ختاماً، مع ارتقاء العلاقات الاقتصادية بين العرب واليابان في السنوات الخمس الماضية إلى مستوى العلاقات الاستراتيجية، باتت الظروف مواتية جداً لتطوير العلاقات السياسية والدبلوماسية والثقافية بين الجانبين، على أسس أكثر انتظاما لتعظيم المنافع المتبادلة لمصلحة الشعبين العربي والياباني.

ومن المتوقع أن يكون القرن الواحد والعشرون قرنا آسيويا بامتياز. ولليابان موقع متقدم في بناء الوحدة الآسيوية وتطورها، واستمراريتها، وقد ساهمت علومها العصرية وتقنياتها المتطورة في ثورات المعلومات والتواصل والجينات والتكنولوجيا.

وآن الأوان للعرب كي يستفيدوا من علوم اليابان وتقنياتها، وتجاوز مرحلة الاستهلاك بكميات كبيرة للتكنولوجيا اليابانية.

 

Email